الفصل الثالث
أهم العوامل الخارجية والداخلية
المؤثرة في إجرام النساء
تمهيد وتقسيم :
تناولنا في الفصل الثاني بالأرقام كيف أصبح إجرام النساء الآن وكيف كان في الماضي ، وخلصنا في النهاية إلى أن معدل إجرام النساء في ازدياد مستمر سواء داخل مصر أو خارجها ، لذلك كان من البديهي أن نتعرض للعوامل الخارجية والداخلية التي من شأنها التأثير على إجرام النساء سواء بالسلب أو بالإيجاب ، ومن ثم سوف ينقسم هذا الفصل إلى مبحثين .
المبحث الأول : العوامل الخرجية المؤثرة في إجرام النساء .
المبحث الثاني : العوامل الداخلية المؤثرة في إجرام النساء .
المبحث الأول
العوامل الخارجية
تمهيد :
لاشك في أن المرأة تولد وتنمو في محيط اجتماعي معين لايكون لها الخيار في تحديده أو انتقائه فيكون بمثابة التربة التي تغذي نشأتها الإنسانية فهي تشب ضمن هذا المجتمع وتكتسب عاداته ومبادئه السلوكية(1) . فالإنسان وليد الوراثة والمحيط ، فبقدر ماتكون المبادئ السائدة في المحيط الاجتماعي سليمة وصحيحة بقدر مايشب الفرد على
ـــــــــــ
(1) د/مصطفى العوجي ، المرجع سابق الذكر .
مبادئ سلوكية قويمة تشكل شخصيته ، والعكس صحيح فكلما كان المحيط الاجتماعي خاليا من القيم يسوده الانحلال كلما شب الفرد مشبعا بقيم سلبية هدامة ومتمتعا بشخصية غير متوازنة اجتماعيا ، شخصية هشة قابلة للانحراف السريع . ومن ثم كان لزاما علينا أن نتعرض للعوامل الخارجية التي من شأنها التأثير على إجرام المرأة .
المطلب الأول
الأسرة : دورها ـ تأثيرها
تقديم :
مما لاشك فيه أن الأسرة هي المجتمع الأول الذي تبدأ فيه الابنة حياتها وتقضي فيه طفولتها حيث تتأثر بكل مايمر بأسرتها من أحداث ومايحيط بها من مشاعر طيبة أو سيئة ، وماتلقاه من عناية أو إهمال . فالأسرة تلعب دورا هاما وحيويا وأساسيا في تكوين شخصية الفرد ذكرا كان أو أنثى ، حيث أن الفرد يميل في طفولته إلى التقليد ، وأول صور السلوك الذي تصادفه وتثير فيه النزعة إلى التقليد هومايحدث في نطاق أسرته ، ومن ثم كانت للأسرة أهميتها البالغة في علم الإجرام نظرا لما لها من دور خطير في تكوين الشخصية الإجرامية للطفل ، وقد صدق الإمام الغزالي حين قال : "إن الطفل أمانة عند والديه في قلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة من كل نقش وصورة وهو قابل لكل ماينقش ومائل لكل مايمال إليه" .
الفر ع الأول : دور الأسرة في خلق طفل مجرم :
أول صورة يراها الرضيع عندما يفتح عينيه على الدنيا هي منزل أسرته ، وفي منزل الأسرة يبدأ الأبوين في بناء شخصية طفلهما ، وعماد شخصية الطفل هو تكوين الضمير الأخلاقي لديه عن طريق غرس القيم الدينية والخلقية والاجتماعية في نفس الطفل فضلا عن تطوير وتنمية ملكات الجانب العاطفي لديه(1) ، ومما لاشك فيه أن دور الأبوين
ـــــــــــ
(1) د/فتوح عبدالله الشاذلي ، المرجع السابق الذكر ص289 .
في هذا المجال هو دور أساسي وحاسم ، حيث أكدت العديد من الأبحاث على أن أي خلل أو اضطراب يعرقل الأسرة عن أداء رسالتها في تربية طفلها يؤدي غالبا في المستقبل إلى الانحراف ومن ثم إلى الإجرام .
الفرع الثاني : دور الأم في تكوين شخصية طفلتها :
احتياج الطفلة لأمها يفوق احتياجها للماء والهواء ، فالطفل يعرف أمه ويحبها ويتعلق بها منذ وجوده في أحشائها وعندما ينزل إلى الدنيا فإن الإنسانة الوحيدة التي يستطيع أن يميزها ويشعر بدقات قلبها وماإذا كانت بجواره أم لا هي أمه ، وبناء عليه فإن الأم هي المدرسة والمعلم الأول لطفلها حيث تساهم بنسبة كبيرة في تكوين شخصية طفلها ومن ثم نستطيع ان نقول أنه إذا كانت الأم مجرمة أو منحرفة فمن البديهي أن ينتقل سلوكها الإجرامي هذا إلى طفلها بالمعاشرة والمخالطة خاصة إذا كان نوع الطفل أنثى لما هو معروف من أن الطفلة تكون دائما شديدة الصلة بأمها ، لصيقة بها ، ترى في والدتها القدوة فتقلدها في التصرفات وتقلدها في الملبس والمأكل والحديث ، وبمرور الوقت تصبح الطفلة صورة مصغرة لأمها ، ورويدا رويدا نجد أنفسنا أمام الأم بذاتها لايوجد اختلاف سوى في بعض الأشياء غير الجوهرية ، ولكننا لانستطيع التأكيد على أن انحراف الأم يتبعه انحراف الابنة ، وأن مثالية الأم تتبعها مثالية الابنة فكثيرا مانجد فتاة فاضلة لأم ساقطة أو فتاة ساقطة لأم فاضلة ، ويتبادر هنا إلى ذهننا سؤال هام كيف تنزلق الفتاة إلى الهاوية وهي تعيش في كنف أم فاضلة؟
إن الإجابة على هذا السؤال تكمن في كيفية معاملة الأم لابنتها حيث أن كثرة تعلق البنت بأمها تولد لديها عقدة نفسية تكون من آثارها حاجة الابنة الدائمة إلى العطف وخوفها من الحياة والابتعاد عن الآخرين وتأثرها الشديد بما توحي إليها به أمها . أما ابتعاد الأم عن ابنتها أو وفاتها يولد لدى الابنة فراغا عاطفيا يكون من شأنه تجمد عاطفة الابنة نحو الآخرين وعدم تأثرها أو انفعالها بما يصيب الغير وطمس شعور الرأفة والحنان لديها بما يجعلها إنسانة حادة يمكن أن ترتكب الأفعال القاسية دون رادع ودون أن يؤثر فيها بكاء أو توسل وكأن في قيامها بتعذيب الآخرين تعويض لها عن عذابها وشفاء لها من أمراضها . هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن ضعف شخصية الأم في معاملتها مع ابنتها يجعلها تشب على هواها لاتعرف حدودا لتصرفاتها ولاحرمة لمن يكبرها في العمر ولاطاعة لأهلها ، مستهترة لاتقدر عواقب الأمور .
أما إذا كانت الأم قوية الشخصية شديدة المراس عنيفة في معاملتها مع ابنتها بدرجة كبيرة نشأت الابنة محرومة من الشعور بالعطف ، سهلة الانقياد لأي شخص يغمرها بالحنان والعطف ، منكمشة على نفسها ، تعاني من كبت في شخصيتها وميولها . وفي كل الحالات لاتنشأ الابنة نشأة طبيعية بل نشأة يعتريها خلل جوهري يؤثر في تكوين شخصية الابنة وحاستها الاجتماعية . وفي النهاية نؤكد على دور الأم في تكوين شخصية ابنتها هو دور حاسم وجوهري لايمكن تهميشه أو تجاهله ، وأن فقد الابنة لأمها نتيجة لقسوة الأم أو لموتها يكون عاملا رئيسيا في انحراف سلوكها مستقبلا ، والأمثلة عديدة على ذلك ولعل أبرزها ماطالعتنا به الصحف وتحديدا أخبار الحوادث في عددها الصادر بتاريخ 3 نوفمبر 2005 جريمة بعنوان طالبة الألسن في السجن ، وملخص الجريمة يتمثل في أن فتاة ماتت أمها وهي تلدها فاحتضنها والدها حتى التحقت بكلية الألسن ومنذ صغرها وهي تسرق الآخرين بالرغم من ثراء عائلتهامما حدا بوالدها إلى الإبلاغ عنها ليقف أمام المقدم/ علاء عابد رئيس مباحث الهرم يطلب القبض على ابنته حيث أثبتت تحريات المباحث قيامها بارتكاب سبعة عشرة جريمة مابين سرقة ونصب لتقف الفتاة أمام ضباط المباحث وتقول أنها لاتدري لماذا تسرق وماالهدف من سرقتها؟ ولعلنا نستطيع أن نقول أن فقد تلك الفتاة لأمهامنذ أن كانت رضيعة كون عندها عقدة نفسية فأصبحت ترغب في الانتقام من الدنيا التي حرمتها من أمها فلم تجد غير السرقة كوسيلة للانتقام ، خاصة أن الأب لم يستطع تعويضها عن حنان الأم فقسوته واضحة ، فبدلا من أن يعالجها أبلغ عنها الشرطة ، وكان الأحرى أن يكون مانشيت الخبر عالجوني قبل أن تحاكموني .
الفرع الثالث : دور الأب في تكوين شخصية طفلته :
مما لاشك فيه أن دور الأب في حياة ابنته لايقل أهمية عن دور الأم فهو يمثل الاستقرار والأمان بالنسبة لها ، فالابنة دائما في حاجة لوجود والدها بجوارها حيث يتحمل مسئوليتها ويبدي لها النصح والإرشاد ويشملها برقابته ويحميها ويسندها عند الصعاب ، فالأب بالنسبة للابنة الشمعة التي تضئ لها الطريق ، والأسد الثائر الساهر على حمايتها وأمنها وأمانها من شر ذئاب الحياة . ولاخلاف على أن سلوك الأب بين أفراد عائلته يؤثر أيضا على سلوك ابنته ، فإذا كان الأب قاسيا شديداعلى ابنته بصورة مبالغ فيها أصبحت الابنة غير واثقة بنفسها ، محطمة الإرادة ، غير ناضجة اجتماعيا مترددة في اتخاذ قراراتها متوهمة دائما أنها على خطأ وأن الغير أفضل منها . أما إذا كان الأب ضعيفا غير حازم في معاملته فإن الابنة تنشأ لاحرمة لديها لأحد ولاتقدير فتتصف أفعالها ومواقفها باللامبالاة والاستهتار .
أما في حالة الأب الفاسد مدمن الكحول أو المخدرات والذي يعود إلى منزله فاقدا للوعي فإن هذه الحالة تجعل الابنة تسلك طريق من اثنين :
الطريق الأول : شعورها بأن كرامتها تمس في الصميم وبناء على ذلك تحاول أن تثأر لنفسها وتنقذ والدتها من براثن والدها فتعتمد على نفسها وتحاول البحث عن عمل يدر عليها ربحا تستغنى به عن أبيها .
الطريق الثاني : انحراف الابنة وتوجهها نحو الشر كالقيام بأعمال إجرامية يعاقب عليها القانون مثل (ممارسة البغاء ، تجارة المخدرات ، السرقة) ليكون مصيرها خلف القضبان .
وقد ورد بكتاب الشبيبة المنحرفة تتهمكم للآنسة أوديت فيلبون(1) نتيجة إحصاء عالمي أجري بين سنة 1946 و1949 وتناول 18376 فتاة جانحة في 25 دولة من أنحاء العالم حيث كانت النتيجة الرئيسية لهذا الإحصاء في بعض الدول كما يلي :
الدولة
الجانحات
اليتيمات
بنات غير شرعيات
بنات مهملات ومشردات
هجر الوالدين
طلاق الوالدين
ألمانيا
1244
22.5%
13.98%
3.93%
--
14.95%
انجلترا
1146
16.75%
15.27%
6.02%
--
14.83%
الأرجنتين
919
7.88%
62.89%
6.20%
5.87%
3.91%
استراليا
390
9.75%
--
1.28%
1.28%
8.46%
النمسا
400
5%
32%
2%
--
50%
بلجيكا
361
13.85%
34.90%
8.31%
2.49%
55.40%
كندا
1384
26.87%
4.55%
9.32%
16.54%
2.81%
مصر
80
56.25%
50%
18.75%
--
7.50%
الولايات المتحدة
4638
10.54%
5.51%
3.40%
2.37%
27.01%
فرنسا
3775
14.49%
13%
8.74%
0.45%
27.01%
ايطاليا
892
36.54%
21.52%
9.52%
--
9.52%
البرتغال
731
22.84%
20.51%
7.11%
--
4.24%
حيث خلصت الباحثة إلى النسب الآتية بين الجانحات :
يتيمات 18.09%
بنات غير شرعيات 16.01%
مهملات أو مشردات 6.88%
الوالدان مفترقان 2.30%
الوالدان مطلقان 20.04%
وأن نسبة انحلال العائلة في الإجمال بلغ 81.88% هذا الانحلال ناتج عن أحد العوامل المذكورة أعلاه .
رأينا في الموضوع :
من مطالعة الإحصائية السابقة يتضح لنا مدى أهمية دور الأسرة في حياة الابنة والدور الحيوي الذي تساهم به كل أسرة في تكوين شخصية ابنتها . وبالنظر إلى نتائج الإحصائية أيضا يتضح لنا أن الأسرة المفككة تكون العامل الرئيسي في انحراف ابنتها ، حيث أن طلاق الوالدين من شأنه انحراف الأبناء نظرا لما قد يسبق الطلاق من خلافات ومشاحنات ومايلي الطلاق من تفرق الوالدين وتشتت الابنة أو الابن بينهم وشعورهم بنقص عن باقي أقرانهم .
أما عن اليتم فإننا لانستطيع أن ننكر تأثيره المباشر على سلوك الفتاة حيث أنه مهما كانت درجة عطف وعناية سائر الأقارب فإنها أبدا لاتقوم مقام عاطفة ورعاية الأم أو الأب فلو اجتمع أهل الدنياجميعهم على تعويض الابنة عن فقدها لوالدها أو والدتها لوقفوا جميعهم عاجزين عن سد الفراغ العاطفي الذي تشعر به الابنة في حال غياب أحد والديها ، فضلا عن أن المحيط العائلي المصطنع الذي تنتقل إليه الفتاة في حال وفاة أحد والديها أو كليهما يسبب لها بعض التصدع في حياتها ، الأمر الذي يستحيل معه انسجامها الكلي مع محيطها الجديد ، هذا مايحمل بعض الفتيات على الهروب من بيوت أوليائهن والتشرد مما يقودهن حتما إلى الانحراف .
أما عن الجانحات من البنات غير الشرعيات فنرى أن ذلك مرده إلى إدراك الفتاة لوضعها المشين وإلى صفة الذل التي ترافقها بالنظر إلى أقرانها المولودات من زواج شرعي مما يولد لديها الشعور بمركب نقص تحاول دائما أن تغطيه بأعمال وتصرفات غالبا ماتكون إجرامية ونادرا ما تكون حسنة .
الفرع الرابع : مشكلة الابنة الوحيدة ـ أولاد الأسر الثرية ، كثرة الأولاد في العائلة الواحدة :
أولا : مشكلة الابنة الوحيدة :
قد يتصور البعض أنه لاتثور مشكلة بالنسبة للابنة الوحيدة نظرا للاهتمام والرعاية المبالغ فيهما من قبل والديها حيث يكون من الصعب انحرافها نظرا لأن لكل متطلباتها مجابة ، ولايوجد غيرها يحظى بعناية الوالدين ، ولكن علميا وعمليا نجد أن مشكلة الابنة الوحيدة على قدر كبير من الأهمية حيث تثور المشكلة عندما تنشأ الابنة الوحيدة في كنف والدين يوجهان نحوها كل الاهتمام محاولين حمايتها من كل العوامل التي يمكن أن تسبب لها أي إزعاج ولو بسيط ، فضلا عن قيامهما بتذليل كل العقبات التي يمكن أن تقف عائقا أماما وفي أحوال كثيرة يحملان عنها حتى عبء التفكير مما ينتج عنه نشأة الابنة وترعرعها في جو من الأنانية تفقد في ظله الشعور بالغير ، رافضة تماما أن يشاركها أي إنسان آخر في هذا الجو المترف فتتسم حينئذ شخصيتها بالخوف والتردد والأنانية التي تكون أول طريق الانحراف السلوكي الذي يمكن وبسهولة أن يكتسب الصفة الإجرامية .
ثانيا : مشكلة كثرة الأولاد في العائلة الواحدة :
إن كثرة عدد الأولاد في الأسرة الواحدة ينتج عنها مضاعفات جسيمة تنعكس على سلوك الأبناء لاسيما عندما تكون الإمكانيات المادية للأهل محدودة ، فضلا على غياب الرقابة والتوجيه نظرا لانشغال الأب بالبحث عن لقمة العيش وتوفيرها لأبنائه ، وانشغال الأم بالمهام المنزلية من إعداد الطعام والنظافة وخلافه إن لم تكن تعمل أيضا في الخارج . حيث تكون النتيجة المنطقية لهذا الوضع هي تشتت الصغار وفرارهم إلى الشوارع نظرا لانعدام الرقابة فضلا عن الخلافات التي تنشأ بين الاخوة والغيرة التي تدب في نفس أي منهم إذا حظى أخيه بعناية واهتمام والديه ، فتجتمع تلك العوامل لتصنع لنا في النهاية شخصا قلما يكون فالحا وغالبا مايكون منحرفا .
ثالثا : مشكلة أولاد الأسر الثرية :
إن مشكلة أولاد الأسر الثرية تحظى باهتمام بالغ من جانب العلماء وذلك نظرا لازدياد معدل الإجرام بين أولاد تلك الأسر خاصة الأحداث منهم .
وقد تعرض الدكتور اندره رسون لتلك المشكلة في مقال نشر له في المجلة الدولية للعلم الجنائي والبوليس الفني(1) وخرج بالنتائج التالية :
(أ) أن مرد انحراف أبناء الأسر الثرية يعود في المقام الأول إلى انصراف آبائهم إلى الحياة المادية سعيا وراء الحصول على المال دون الالتفات إلى أبنائهم ، وانهماك الأم بمظاهر الرفاهية والحفلات والسهرات مما ينتج عنه حرمان الأبناء من العطف والحنان والرعاية ، حيث يتولد لدى الطفل شعور بالفراغ العاطفي ، مع ملاحظة أن تكليف المربية بأمر الأطفال لايعوضهم عن حنان الأم والأب المفتقد بسبب لهث الوالدين خلف المادة .
(ب) يتصف أبناء الأسر الثرية بالكذب والنفاق لدرجة المرض فهم دائما يحاولون إيهام الناس والظهور بمظهر لايمت إلى حقيقتهم بصلة ، ولعل أهم هذه المظاهر إعطاء أهمية خاصة لشخصهم ، وفي الحقيقة أننا لو جردناهم من اسم العائلة التي يحملونها ومن قناع الثراء الذي يرتدونه لأصبحت شخصية كل منهم أقل من الوسط .
(ج) بالرغم من الثراء الذي يتمتع به أبناء الأسر الثرية إلا أنهم دائما في حاجة مستمرة إلى النقود للصرف على مذاتهم وفي ظل غياب الرقيب على تصرفاتهم نجدهم سريعا ماينزلقون إلى الهاوية حيث يرتكبون جرائم السرقة أو القتل أو إعطاء شيكات بدون رصيد .
(د) أن أبناء الأسر الثرية يميلون دائما إلى تعاطي الكحول وعدم المحافظة على صحتهم مما يعرضهم لأخطار جسيمة تكون نتيجتها الحتمية اندفاعهم إلى طريق الجريمة ، وقد ذكر د.ربون مثالا على ذلك وهو قيام ثلاثة أولاد دفعهم مرض الغيرة الذي تملكهم إلى محاولة قتل أشقائهم .
ـــــــــــ
(1) Andre Repond. Mauvais sujets de bonnes familles. Revue international de criminology et de polece technique. 1955.
No.3, p.201
نقلا عن د/مصطفى العوجي ،المرجع سالف الإشارة إليه .
ونحن نضيف : أن انعدام الرقابة يمثل السبب الرئيسي في انحراف الأبناء سواء كانوا أبناء أسر ثرية أو غير ثرية ، فرقابة الوالدين لأبنائهما خاصة في سن المراهقة هامة جدا ، ولاسيما على الإناث حيث أن الابنة في سن المراهقة تكون مضطربة التفكير سهلة الانقياد عاطفية سريعة التأثر بأصدقائها نظرا للتغيرات الفسيولوجية التي تمر بها في تلك المرحلة ، فضلا عن أنه لايوجد مجتمع مدرسي أو اجتماعي يخلو من أصدقاء السوء الذين يمثلون في حقيقة الأمر خطرا داهما على بناتنا يمكن في لحظة أن يعصف بالأسرة جميعها . ولعل أبرز جريمة اهتزت لها الأرض والسماء قد طالعتنا بها الصحف تحديدا صحيفة أخبار الحوادث العدد 713(1) بتاريخ 1 من ديسمبر سنة 2005 كانت لطالبة معهد الكمبيوتر وحيدة والديها التي قتلت أمها بسكين حاد ، نعم قتلت أمها بسكين حاد وظلت تطعنها في كل أجزاء جسدها حتى تفجرت الدماء منها وسقطت وسط بركة من الدماء ، والسبب كان أصدقاء السوء والتدليل الزائد للابنة الوحيدة . وطبقا لاعترافات المتهمة أمام رئيس مباحث قسم 15 مايو فإنها نشأة في أسرة صغيرة تضم الأب والأم ولم ينجبا سواها الأمر الذي ساهم في تدليلها وتلبية كل طلباتها وعلى حد قولها كانت "أحلامها مجابة" وبعد وفاة الأب ارتبكت الحالة المادية للمتهمة ووالدتها في تلك الأثناء تعرفت المتهمة على صديقة سوء زميلة لها في معهد الكمبيوتر حيث أقنعتها بممارسة البغاء بأجر مما كان له أبلغ الأثر في تمرد المتهمة على حياتها وعلى والدتها وبدأت تدب بين المتهمة وأمها الخلافات والمشادات حتى قامت الأم بضبط ابنتها أثناء هروبها من المنزل مما أثار غضب الابنة وحدا بها إلى أن تمسك بسكين وتقتل أعز الناس . أمها ..
ليس ذلك فقط بل قامت المتهمة بتبديل ملابسها الملوثة بدماء أمها القتيلة وأخفتها وخرجت إلى المعهد وعادت في خطة تمويهية لتصرخ وتؤكد أن أمها قتلت أثناء وجودها خارج المنزل ، ليس ذلك فقط بل أنها جلست في سرادق العزاء تبكي أمها وتتلقى عزاءها وفي النهاية ألقت المتهمة باللوم على والديها وأرجعت إجرامها وانحرافها إلى التدليل الزائد الذي كان العامل الرئيسي لنشأتها ضعيفة الشخصية والإرادة ، فضلا عن عصبية
ـــــــــــ
(1) انظر الملحق بآخر البحث .
المزاج التي كانت تتمتع بها وثورتها لأتفه الأسباب . وإن كنا آثرنا أن نتناول تلك الجريمة بالذات للتأكيد على وجود مشكلة الابنة الوحيدة وسهولة إنزلاقها إلى عالم الإجرام ، هذا من جهة ومن جهة أخرى لتأييد رأينا على ضرورة وأهمية الرقابة على الأبناء في سن المراهقة .
الفرع الخامس : مسكن الأسرة :
مسكن الأسرة له تأثيره الخاص على تكوين شخصية الفرد فهو يحدد مدى استجابته للمؤثرات الخارجية ، فضيق مسكن الأسرة ينعكس على سلوك الأبناء ويؤثر على صحتهم ويقلل من قدرتهم على التركيز وأداء الواجبات مما يجعلهم يكرهون البقاء في المنزل ويفرون إلى الشوارع ومنازل الأصدقاء مما يسهل انحرافهم .
وقد دللت العديد من الدراسات المتعلقة بإجرام الريف والمدن على أن التكدس السكاني في ضواحي المدن هو الذي يؤثر على معدل الإجرام حيث دلت دراسات عديدة أجريت في فرنسا إلى أن الأحداث الذين ينزلقون إلى طريق الإجرام يأتي معظمهم من العمارات السكنية الجماعية . ولكن لايمكن الجزم بأن وجود مسكن الأسرة في التجمعات السكنية الشعبية هو الذي يساهم في تكوين الشخصية الإجرامية(1) .
ـــــــــــ
(1) د/فتوح عبدالله الشاذلي ، المرجع السابق الذكر ، ص291 .
المطلب الثاني
المدرسة وتأثيرها في تكوين الشخصية
المجتمع المدرسي هو أول مجتمع يخرج إليه الطفل بعد سنوات عمره القليلة التي قضاها مع أسرته(1) .
فمن خلال المدرسة يبدأ أول احتكاك للطفل بالعالم الخارجي حيث يبدأ في تكوين علاقات صداقة مع أقرانه ويبدأ في التعامل مع أساتذته ، إذ يتلقى المعلومات ويدرب على الحياة الاجتماعية المشتركة وعلى القيم الدينية والأخلاقية ، ففي هذه المرحلة تبدأ شخصية الطفل أو الطفلة في التكوين والنمو فيظهر حينئذ استعداده الشخصي للتكيف والانسجام مع الحياة الاجتماعية ، فضلا عن بروز مواهبه الخاصة ودرجة ذكائه واستيعابه لما يتلقاه من دروس ومعلومات . فالطفل يقضي في مدرسته ثماني ساعات يوميا يكون خلالها بعيدا عن أسرته تماما .
من هنا تبرز أهمية دور المدرسة والمعلم في تكوين شخصية الطالب أو الطالبة مما يستلزم معه اختيار القائمين على مهنة التدريس بعناية فائقة فضلا عن إخضاعهم لتأهيل علمي دقيق . فالمدرسة لاتقوم فقط بدور تعليمي وتثقيفي تجاه طلابها بل تقوم أيضا بدور تربوي وتهذيبي ، فالمدرسة في رأينا سلاح ذو حدين فلو استطاعت القيام بدورها التربوي والتعليمي على أكمل وجه لكانت حينئذ عاملا فعالا يقي الطفل من الانحراف والإجرام ، والعكس صحيح فإذا أخلت المدرسة ولو بصورة بسيطة في أداء دورها التعليمي أو التربوي لأصبحت عاملا من عوامل انحراف الطالب وإجرامه . وتشير الإحصاءات الجنائية إلى أن المتهمين في الجرائم الخطيرة معظمهم من الأميين أو من الذين تلقوا مبادئ القراءة والكتابة . وفي مصر توضح الإحصاءات الجنائية أهمية الدور الوقائي للتعليم في مكافحة الجريمة(2) .
ـــــــــــ
(1) انظر د/فتوح عبدالله الشاذلي ، المرجع سالف الإشارة إليه ، ص293 .
(2) انظر الدكتور/محمد أبو العلا عقيدة ، أصول علم الإجرام ، 1994 ، ص227 .
ونعود لنلقي مزيدا من الضوء على دور المعلم وتأثيره على تكوين الشخصية السليمة لتلاميذه ، فمسئولية المعلم هامة وكبيرة حيث يقع عليه عبء دراسة شخصية كل تلميذ من تلاميذه والوقوف على العيوب والمميزات . كما يقع عليه في حالة تأخر الفهم والإدراك لدى أحدهم مهمة الكشف عن أسباب هذا التأخر والبحث في كيفية معالجتها فضلا عن قيامه بمراقبة سلوك كل تلميذ مع أقرانه وتقويم سلوكهم عند الاقتضاء .
وفي مصر نرى أن مرد ازدياد معدل إجرام النساء يعود إلى عدة أسباب جوهرية أهمها فقد المدرسة لدورها التعليمي والتربوي حيث أصبح المدرسون لايهتمون بشرح الدروس داخل المدرسة معتمدين في ذلك على الدروس الخصوصية ، ذلك الوباء الذي أصبح يسيطر على المجتمع المصري فضلا عن انعدام الدور التربوي للمدرسة وللمدرس تجاه الطلاب ، ومؤشر ذلك ماتطالعنا به الصحف يوميا من جرائم [مدرس يفقأ عين تلميذه طالب يطعن مدرسه بالمطواة ، مدرس يغتصب تلميذته ، مدرس يهتك عرض تلميذته داخل الفصل] وفي النهاية نقول أن المدرسة لها دور تعليمي وتربوي هام جدا ومؤثر في تكوين شخصية الفرد ذكرا كان أو أنثى(1) .
ـــــــــــ
(1) انظر د/مصطفى العوجي ، الأمن الاجتماعي وارتباطه بالتربية المدنية ، مؤسسة نوفل ، بيروت عام 1984 . ومضمون هذا المؤلف التأكيد على دور المدرسة في أداء الرسالة التربوية المدنية وأثرها في توفير الأمن الاجتماعي .
المطلب الثالث
المحيط المهني
بعد أن ينهي الفرد المرحلة الجامعية أو المدرسية يبدأ في الانتقال إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة الحياة المهنية ، وإذا تخصصنا أكثر في الحديث فنقول أن الفتاة بعد إنهائها للمرحلة الجامعية أو المدرسية يكون أمامها خيار من اثنين ، الأول : الانتظار في المنزل حتى الزواج ، الاختيار الثاني يتمثل في النزول إلى الحياة العملية والبحث عن وظيفة . فالمفروض بصورة مبدئية أن تختار الفتاة المهنة التي تريدها ولكن في ظل الظروف الاقتصادية السيئة وظروف العمل الأسوأ يفرض عليها أحيانا نوعا من العمل لم تكن تريده والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو هل العمل يؤثر على الإجرام؟ وهل هناك محيط مهني معين يسبب الانحراف والإجرام؟
أولا : تأثير العمل على الإجرام :
من البديهي أن وجود العمل المناسب للفرد يحميه من الانحراف والانزلاق إلى عالم الإجرام ، فالعمل يحدد المركز الاقتصادي للفرد فهو مصدر الدخل الذي يتاح لأسرته أو لإشباع حاجاته للمسكن والغذاء . ومن ثم فإن فشل الفرد في الحصول على وظيفة يجعله عرضة أكثر من غيره إلى الانحراف . كما أن عدم وجود العمل يؤدي إلى فشل الجهود المبذولة من أجل التأهيل الاجتماعي لمن سبق الحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية وبناء عليه فإن غياب العمل يعد أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى العود إلى طريق الإجرام . فضلا عن أن العمل يتيح فرصة الاتصال والاختلاط بزملاء المهنة على اختلاف اتجاهاتهم وأنواعهم مما يثير مشاكل قد تدفع الفرد إلى السلوك الإجرامي ، مثل المشاحنات التي تقع بين العامل ورب العمل وتدفع العامل في بعض الأحيان إلى الاعتداء على رب العمل ، مثال آخر قيام رب العمل بالتحرش الجنسي بالعاملات عنده ، فضلا عن جرائم الرشوة والتزوير التي تقع نتيجة احتكاك الموظف لجمهور العاملين .
ثانيا : هل يوجد محيط مهني معين يسبب الانحراف أو الإجرام؟
طبقا لما ذكره بعض الباحثين الجنائيين فإن هناك بعض المهن التي يكون من شأنها تطوير الاستعداد الإجرامي الكامن لدى بعض الأشخاص .
ذكر تقرير لمكتب المخدرات في الولايات المتحدة(1) أن نسبة الإدمان على المخدرات بين الأطباء هناك 1% بينما نسبتها بين المواطنين 1 من كل 3000 نسمة .
ذكر أيضا بعض الباحثين أن ممارسة مهنة التمريض أو بيع الأدوية تساعد على تعاطي المورفين أو تسهيل تعاطيه . ذكر بعض الباحثين أيضا أن احتراف مهنة الخياطة من قبل الفتيات الحديثات العهد بالحياة الاجتماعية يعرضهن للانحراف حيث أن أغلب الفتيات يأتين من مستويات اجتماعية ضحلة فينبهرن بمظاهر الثراء التي ترافق حياة زبائن المحلات فيتولد لديهن شعور بالغيرة وعند محاولتهن التقليد يجدن أنفسهن قد سلكن طريق الإجرام ، مثل انضمامهن إلى شبكات الرقيق الأبيض أو التهريب أو بيع المخدرات سرا .
ومما سبق يتضح لنا أن المهنة يمكن أن تشكل عاملا مساعدا على الانحراف بما توفره من أجواء وظروف تمكن الممارسين لها من الإقدام على ارتكاب بعض الجرائم(2) .
ـــــــــــ
(1) Marshol clinard, sociology of deniant behavioy. 1968, p.310 .
(2) انظر د/مصطفى العوجي ، دروس في علوم الإجرام ، سبق الإشارة إليه ص572 .
المطلب الرابع
مجتمع الأصدقاء ومنزل الزوجية
أولا : مجتمع الأصدقاء :
عادة يختار الشخص أصدقاءه بحرية تامة حيث يلجأ الشخص إلى اختيار أصدقاء يتفقون معه في الميول والاتجاهات . ومما لاشك فيه أن للأصدقاء تأثير كبير على شخصية الفرد ، فإن كان الصديق ملتزما صالحا عونا على الخير يحترم القانون كان تأثيره على الفرد في الغالب تأثيرا حسنا . والعكس صحيح فإذا كان الصديق غير ملتزم يحبذ التمرد والثورة ولايحترم القانون كان تأثيره سيئا على الفرد ، بل يكون عاملا مساعدا على الانحراف والإجرام .
ويزيد من حدة تأثير الصديق على صديقه سوء معاملة الأسرة للفرد أو فقرها أو قسوتها الزائدة أو انعدام الرقابة خاصة على الإناث حيث أن الفتاة دائما تحتاج إلى رقابة صارمة من أهلها حتى يتمكنوا من إنقاذها في الوقت المناسب من الانزلاق إلى الهاوية لاسيما أن أصدقاء السوء من أكثر العوامل المؤدية إلى انحراف الفتاة . وقد لاحظ بعض الباحثين أن من بين العائدين إلى السرقة من البالغين أكثر من 50% منهم كانوا يقضون أوقات فراغهم في أماكن للترفيه كانت معتبرة في فترة إجراء الدراسة من الأماكن سيئة السمعة مثل أماكن القمار والسهرات والمقاهي .
وانتهى بعض الباحثين إلى أن معاشرة أصدقاء السوء من المجرمين أو المنحرفين أخلاقيا تؤثر تأثيرا مؤكدا علىتكوين الشخصية الإجرامية(1) .
ومما سبق يتضح لنا مدى أهمية العناية بأوقات الفراغ لدى الشباب لاسيما الطلبة والطالبات خلال الاجازة الصيفية ، وعلى كل أسرة أن تهتم بكيفية شغل أوقات فراغ أبنائها وبناتها بالطرق السليمة حيث أن حسن استغلال أوقات الفراغ لدى الشباب من شأنه أن يقيهم الوقوع تحت تأثير العصابات الإجرامية ويحميهم من الانحراف والإجرام .
ـــــــــــ
(1) انظر د/مصطفى العوجي ، دروس في علوم الإجرام ، سبق الإشارة إليه ص572 .
ثانيا : منزل الزوجية :
الحياة الزوجية من شأنها إحداث تغيير شامل في حياة الزوجين ومن ثم فهي يمكن أن تكون من العوامل المضادة للإجرام ، ولكنها في بعض الأحيان يمكن أن تكون من العوامل التي تدفع إلى الإجرام .
حيث أثبتت الدراسات التي أجريت لتحديد العلاقات بين الزواج وتكوين الشخصية الإجرامية عن نوعين من الآثار المتعلقة بالزواج ، حيث ثبت أن نسبة غير المتزوجين من المحكوم عليهم تزيد على نسبة المتزوجين من الأشخاص العادين المقاربين لهم في العمر حيث تم تقسيم ذلك الفارق بما للحياة الزوجية من آثار مضادة للإجرام ، ولكن لاينبغي أن نأخذ من ذلك قاعدة عامة متمثلة في أن للزواج أثر في صرف الشخص عن الإجرام ، وعدم الزواج يزيد من فرص انحراف الشخص وانزلاقه إلى الإجرام وذلك لأن وجود منزل الزوجية لايكفي وحده لمنع الشخص من الإجرام ، فيجب أن تكون الحياة الزوجية هادئة ومتوازنة حتى تحدث أثرها الطيب في منع إجرام كلا من الزوجين ، حيث أن اضطراب منزل الزوجية يعد من العوامل الدافعة للإجرام بالنسبة للزوجين . وقد يكون هذا الإجرام مباشرا حيث يتم تبادل اللكمات والضربات بين الزوجين ، وفي بعض الأحيان يصل الأمر إلى القتل(2) . وقد ينتج عن اضطراب الحياة الزوجية إجرام غير مباشر يرجع إلى الاضطرابات النفسية التي تنتج عن المنازعات الزوجية حيث أن هذه الاضطرابات تكون سببا غير مباشر لصور مختلفة من الإجرام مثل السرقة وجرائم الاعتداء على العرض وجرائم الإجهاض وقتل الأطفال حديثي الولادة .
وفي النهاية نستطيع أن نقول أن دلالة الزواج في مجال الإجرام هي دلالة إيجابية وسلبية في الوقت ذاته . ويتوقف الدور الإيجابي للزواج كعامل مضاد للإجرام على مدى التوفيق الذي يصادفه الزوجان في حياتهما الزوجية .
ـــــــــــ
(1) انظر د/فتوح عبدالله الشاذلي ، المرجع سالف الإشارة إليه ص298 ومابعدها .
(2) مثل قتل الزوج لزوجته وتقطيعه جسدها وسلق لحمها . جريدة النبأ بعددها الصادر 19/2/2006 .
المطلب الخامس
أثر وسائل الإعلام في تكوين السلوك الإجرامي
المقصود بوسائل الإعلام مجموع الوسائل الفنية التي تسمح بالانتشار السريع للأخبار والآراء والأفكار وتشمل هذه الوسائل الصحافة والمسرح والسينما والاذاعة المسموعة والمرئية . وعن أثر وسائل الإعلام في تكوين السلوك الإجرامي كان هناك خلاف كبير بين الباحثين فهناك من يدعي أن وسائل الإعلام هي وسائل مشبوهة تؤدي إلى زيادة الإجرام لاسيما في السنوات الأخيرة في حين ذهب آخرون إلى القول بأن هذه الوسائل ليست سوى انعكاس للحالة التي عليها المجتمع ، ومن ثم لايمكن أن يكون لها تأثير باعتبارها من عوامل الإجرام ، وهذا الخلاف لازال قائما بل زادت حدته لاسيما مع التطور الحديث لوسائل الإعلام وظهور الدش والكمبيوتر .
ونحن نرى أن لوسائل الإعلام دورهام وحيوي من شأنه أن يكون عاملا من العوامل المؤدية إلى ارتفاع معدلات الجريمة ونخص بالذكر التلفزيون والكمبيوتر اللذان أصبحا على رأس قائمة الأسباب التي تؤدي إلى الانحلال الخلقي ، وذلك للأسباب التي سوف يتم ذكرها تفصيلا عندالتعرض لكل منهم .
الفرع الأول : أثر الصحافة على تكوين السلوك الإجرامي :
يسود اعتقاد عام لدى الأفراد بأن الصحافة تعد أحد العوامل المؤدية إلى ازدياد معدل الجريمة في المجتمعات المعاصرة(1) .
ويرى البعض ونحن معهم أن هناك العديد من المزايا والفوائد الناتجة عن نشر أخبار الجرائم في الصحف ، فمن ناحية يكون مجرد نشر الحادثة وكيفية توصل رجال الشرطة إلى الجناه بمثابة جرس إنذار لأي جاني محتمل يفكر في ارتكاب أي جريمة من أي
ـــــــــــ
(1) انظر د/فاطمة القليني ، ملامح الظاهرة الإجرامية كما تعكسها الصحافة المصرية ، رسالة كلية الآداب ، جامعة عين شمس ، 1984 ، د/محمد أبو العلا ، عقيدة ، المرجع سالف الإشارة إليه ، ص232 .
نوع فيتأكد حينئذ من أن أي جريمة لابد أن ينكشف سترها ويلقى مرتكبها العقاب المناسب مهما بلغت دقة ارتكاب الجريمة ، ومهما تصور الجاني أنه أفلت من العقاب لما في ذلك من أثر رادع لدى كل من تسول له نفسه ارتكاب أي جريمة ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن نشر أساليب وطرق الجناة في ارتكاب الجرائم يجعل القارئ أكثر تبصرا وأقل وقوعا في شباك هؤلاء الجناه مما يقل معه عدد المجني عليهم المحتملين .
أما أغلبية الآراء ترى أن نشر أخبار الجرائم في الصحف يعد من العوامل المؤدية إلىزيادة معدلات الجريمة حيث أن نشر وسائل ارتكاب الجرائم يكون من شأنه خلق الفكرة الإجرامية لدى القارئ مما يشجعه على الإقدام على ارتكاب الجريمة مستخدما تلك الوسائل فضلا عن انتشار عدوى الجريمة إلى الكثير من الأفراد خاصة الأفراد المائلون بطبعهم إلى التقليد والانحراف .
الفرع الثاني : أثر السينما والفيديو على الجريمة :
أولا : أثر السينما :
في الماضي كانت السينما وسيلة إعلامية راقية تعالج مشاكل المجتمع وتقدم حلولا منطقية ودروسا مستفادة ، لاتستخف بعقل المشاهد وتحترم القيم والمبادئ السائدة في المجتمع ، أما الآن أصبحت السينما وسيلة فساد وتحريض على الفسق لاتخلو أفلامها من المشاهد الجنسية الفجة ، فارغة المضمون ، تستخف بعقل المشاهد ، تسخر من القيم والمبادئ . فضلا عن أفلام العنف التي اجتاحت السينما في الآونة الأخيرة ومالها من أضرار نفسية على عقلية المشاهد من شأنها التأثير على سلوكه الإجرامي خاصة إذا كان المشاهد من الأحداث فتخلق حينئذ حالة من التوتر لديه وتزيد من شعوره الداخلي بالعنف فيندفع إلى تقليد ماشاهده في الفيلم ، هذا بجانب الإرهاق البدني والجسماني الذي يتعرض له من يشاهد السينما بصورة مستمرة . فالاعتياد على مشاهدة أفلام العنف يخلق اعتيادا على الإجرام فيضعف من عوامل المقاومة لها ويزيد من دوافع الإقدام عليها ، وقد أثبتت بعض الدراسات الأمريكية التي أجريت على نزلاء المؤسسات العقابية أن السينما كانت سببا في دفع بعض المحكوم عليهم إلى طريق الإجرام حيث تبين أنها دفعت 10% من
الذكور و25% من الإناث إلى طريق الجريمة(1) .
أيضا قام نيوماير بدراسة حالة 252 فتاة فتبين له أن 25% منهن أقمن علاقات جنسية نتيجة لتأثرهن بقصص الحب العنيفة على الشاشة ، كما أن 38% اعترفن بتأثير السينما على سلوكهن المتصف باللامبالاة(2) .
ثانيا : أثر الفيديو على الجريمة :
قدم لنا التطور التكنولوجي جهاز "الفيديو" الذي يلعب نفس الدور الذي تقوم به السينما والتلفزيون كعامل يفضي إلى الجريمة . وفي رأينا أن جهاز الفيديو أخطر بكثير من السينما والتلفزيون حيث أنه يمكن الفرد من مشاهدة أي نوعية من الأفلام الممنوعة في أي وقت دون رقيب أو محاسب .
الفرع الثالث : التلفزيون ، الدش ، الكمبيوتر وأثرهم على الجريمة :
أولا : أثر التلفزيون :
التلفزيون جهاز خطير يوجد في كل بيت له من العيوب مايفوق المميزات ، فقد أثبتت الدراسات العلمية أن الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون يوميا لعدة ساعات يصابون بالعصبية ويفقدوا القدرة على التركيز فضلا عن العادات السيئة التي يتكسبونها أثناء مشاهداتهم التلفزيون كالسمنة والاضطرابات الهضمية الناتجة عن كثرة تناول الطعام أثناء مشاهدة التلفزيون والاعتياد على عدم الحركة .
وقد أثبتت الأبحاث العلمية أن الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون لمدة 50 دقيقة لاتتعدى عصبيتهم درجة [الصفر] ، ومن تزيد فترة مشاهدتهم على 60 دقيقة تصل درجة عصبيتهم إلى [واحد] في حين ترتفع هذه الدرجة إلى [اثنين] بعد التسعين دقيقة ، وإلى ثلاثة بعد 120 دقيقة .
وقد أثبتت الدراسة أيضا أن الأطفال الذين يجلسون أمام شاشة التلفزيون لفترات طويلة لايتعرفون إلا على خمسة رموز من 20 طبقا للاختبار المعروف باسم اختبار راي ،
ـــــــــــ
(1) انظر د/فتوح عبدالله الشاذلي ، المرجع سالف الإشارة إليه ص315 .
(2) انظر د/مصطفى العوجي ، المرجع سالف الإشارة إليه ، ص595 .
في المقابل يتعرف الأطفال الآخرين على جميع الرموز التي تعرض عليهم(1) . وفي دراسة أخرى حديثة قامت بها الجمعية العالمية لأصدقاء الطفولة(2) سنة 1991 عن مدى تأثير التلفزيون على الأحداث ودفعهم إلى العنف وإلى الجريمة حيث جاءت نتائج الدراسة كالتالي:
(أ) الصغار الذين يشاهدون العنف على الشاشة الصغيرة يتذوقونه ولو بطريق غير شعوري ، وحينما يصلون إلى سن المراهقة لايرهبهم العنف مما يترتب عليه نوع خطير من التعود عليه حيث يصبح العنف بالنسبة لهم أمر طبيعي ووسيلة عادية لحل المشاكل التي يواجهونها فيصبح العنف بالنسبة لهم رد فعل عادي وضروري .
(ب) مشاهد العنف تتسلل إلى اللاشعور لدى الصغار بصورة تدريجية فيصبحون مؤهلين مبكرا للأفعال الإجرامية .
(ج) أن التأثير العميق لمشاهد العنف لن يفلت منه حتى الشخص المتوازن وذلك بسبب مدى التأثير الشديد للصورة التي تقدمها الشاشة ، وتكرار مشاهد العنف أمامه يجعل المشاهد العادي في أي لحظة من لحظات الاندفاع يستحضر أمامه مشاهد العنف التي تعود على رؤيتها فينزلق إلى عالم الإجرام دون أن يدري .
ولايفوتنا التعرض للتلفيزيون المصري وماأصبح عليه الآن من فجاجة وفي رأينا أن التلفزيون والدش والكمبيوتر هم مثلث الخطر على أبنائنا وبناتنا ، حيث يصاب أي إنسان مثقف بثورة عارمة حينما يفتح التلفزيون ويشاهد بعض مذيعاتنا يرتدين ملابس خليعة ويجلسن بطريقة مبتذلة ويتناسين أنهن قدوة لكل فتاة مصرية مراهقة تعتقد بحكم سنها وخبرتها المنعدمة أن ارتداء الملابس الخليعة وعدم مراعاة قيمنا الشرعية في الجلوس والتصرفات أصبح موضة شيك قاصرة على الطبقة الراقية في مجتمعنا فقط ومن ثم تحاول تقليد ذلك تقليدا أعمى .
ـــــــــــ
(1) تم نشر نتائج هذا البحث في صحيفة الأهرام في العدد الصادر بتاريخ 27 يناير 1990 بالصفحة الأولى تحت عنوان "مشاهدة الطفل للتلفزيون أكثر من 50 دقيقة تؤثر على قدراته العقلية" .
(2) انظر د/محمد أبو العلا ، عقيدة ، المرجع سالف الإشارة إليه ص243 .
أما عن الأغاني الهابطة والمشاهد الجنسية التي أصبحت تمثل 90% من برامج التلفزيون فهي وبلا شك تخلق لدى الفتاة نوع من التعود علىتلك المشاهد الجنسية الفجة والأغاني الهابطة ورويدا رويدا تتقبلها الفتاة وتعتقد أنها حضارة وتطور ولاتخالف مبادئنا الإسلامية والشرقية بدليل أن التلفزيون يعرضها على مدار الأربعة والعشرين ساعة وتبدأ في التهاون مع جسدها فلابأس إن لمسها أحد ولابأس إن احتضنها أحد ولابأس إن رقصت في محفل ولابأس إن ارتدت ملبس يظهر أكثر مما يخفي ، فهذا تطور وحضارة بدليل أنه يعرض في التلفزيون وغير ذلك يكون تخلف وتعصب وإرهاب . وفي أرينا أن مايعرضه التلفزيون من مشاهاد جنسية ساخنة لهو السبب الرئيسي لازدياد معدل جرائم الاغتصاب ، فالشاب عندما يشاهد مثل تلك المشاهد الساخنة ومع تدهور الحالة الاقتصادية وعدم قدرته على الزواج وتحمل نفقاته لايكون أمامه من سبيل سوى الاغتصاب حتى يستطيع إشباع شهواته وغرائزه التي حركتها برامج التلفزيون والتي لاتكف عن عرضها أربعة وعشرين ساعة في الأربعة وعشرين ساعة .
ثانيا : الدش :
الدش جهاز تكنولوجي يتيح لنا التعرف على ثقافات وفنون الدول الأجنبية والعربية ولكن خطورته لاتقل أهمية عن خطورة التلفزيون نظرا لما يبثه من مشاهد تتنافى مع مبادئنا وقيمنا الإسلامية .
ثالثا : الكمبيوتر :
هو نتاج التقدم والتطور به يصبح العالم وكأنه قرية واحدة فهو سلاح ذو حدين لو صح استخدامه في الأغراض التي صنع من أجلها كان صديقا وفيا لصاحبه ، ولكن إذا استخدم بطريقة خاطئة غير قانونية لأصبح بذلك دافعا لانزلاق صاحبه إلى عالم الإجرام . ولعل أبرز جرائم الكمبيوتر تزوير العملات ، تجارة الرقيق الأبيض .
المطلب السادس
تأثير العوامل الاقتصادية على الإجرام
تمهيد :
اختلفت الآراء وتباينت حول تأثير العوامل الاقتصادية علىازدياد أو انخفاض معدل الجريمة ، فهناك من أكد على الصلة الوثيقة التي تربط بين العوامل الاقتصادية وازدياد أو انخفاض معدل الجريمة في مجتمع ماقبل المذهب الماركسي ، وهناك من رفض هذا الربط مثل المدرسة الوضعية . وهناك من انتقد النظريتين وخرج برأي جديد مضمونه أن الظاهرة الإجرامية لايمكن ردها إلى عامل واحد بل هي نتاج لعدة عوامل ومنها العامل الاقتصادي(1) ، وهو الرأي الذي نؤيده .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل ارتباك الحالة المادية للفرد لها علاقة بانحراف سلوكه؟
السؤال بصورة أخرى هل توجد علاقة بين الفقر والإجرام؟
الفرع الأول : الفقر والإجرام :
يؤكد عدد من الباحثين على أن الفقر لايعد سببا مباشرا للإجرام وإنمايقتصر دوره على تهيئة المناخ للجريمة فيحدث أثره وذلك من خلال العوامل الاجتماعية والفردية المترتبة عليه ومن ثم فالفقر يعد عاملا غير مباشر للجريمة(2) .
فالفقراء عادة يلازم نشأتهم سوء الرعاية الصحية وسوء التغذية مما يسبب لهم بعض الأمراض خاصة أطفالهم ، والظروف الاجتماعية التي يعيش فيها الفقراء وأطفالهم ليست ملائمة ، فالفقر دائما يولد إحساسا بعدم الأمان والذعر والخوف من المستقبل لدى الأسرة الفقيرة مما يدفعها إلى سلوك طريق الجريمة في محاولة منها لتأمين غدها البائس أضف إلى ذلك إهمال الآباء والأمهات في تربية أبنائهم إما لانشغالهم فيتدبير القوت اليومي الضروري لهم وإما بسبب جهلهم الذي يفقدهم القدرة على التوجيه التربوي السليم ، فضلا
ـــــــــــ
(1) انظر د/محمد أبو العلا ، عقيدة ، المرجع سالف الإشارة إليه ص248 ومابعدها .
(2) انظر د/رؤوف عبيد ، أصول علمي الإجرام والعقاب ، ط5 ، 1985 ، ص175 ومابعدها .
على ذلك فإن الفقر يؤدي إلى السكن في أماكن سيئة يمكن أن تكون بيئة خصبة للإجرام حيث يختلط الأطفال بقرناء السوء الذين يدفعونهم إلى الهاوية . ليس ذلك فقط بل يؤدي أحيانا الفقر إلى عدم استمرار الأطفال في دراستهم فيصبح الشارع مصيرهم حيث التشرد والتسول والإجرام .
وقد ورد في كتاب الآنسة أوديت فيليبون "الشبيبة المنحرفة تتهمكم"(1) السابق الإشارة إليه أن نسبة الفتيات الفقيرات بين الجانحات كالآتي :
كوستاريكا 62.50% فرنسا 23.04%
ايطاليا 61.32% هولندا 21.19%
هنغاريا 47.99% الأرجنتين 20.89%
البرازيل 34% انجلترا 13.96%
الولايات المتحدة 13.32% ألمانيا 6.18%
النمسا 15% بلجيكا 9.69%
حيث يتضح لنا مما سبق أن الفقر هو سبب فعال من الأسباب غير المباشرة للإجرام.
الفرع الثاني : البطالة والجريمة :
البطالة عامل من عوامل السلوك الإجرامي وعن أنواعها فهناك بطالة ناتجة عن عوامل اقتصادية عامة لادخل للفرد فيها ولكنه يتحمل آثارها دون مقدرة على مقاومتها ، وهناك بطالة تكون نتيجة لسلوك الفرد نفسه .
النوع الأول من البطالة يكون نتاج أزمة اقتصادية أو صناعية تتعرض لها البلد فتقضي على فرص العمل وبالتالي يصبح الإنسان عاطلا رغم إرادته لأسباب لادخل له فيها ونعتقد أن البطالة في مصر من هذا النوع .
كيفية معالجة هذا النوع من البطالة؟
في البلدان الراقية يتم دفع تعويضات للأفراد العاطلين حتى لايضطر الفرد إلى الانحراف ، أما في البلدان المتخلفة تكون النتيجة الحتمية هي القذف بالعاطلين إلى الإجرام والانحراف .
ـــــــــــ
(1) نقلا عن د/مصطفى العوجي ، المرجع سالف الإشارة إليه .
وقد أجرى مجلس أوروبا(1) بواسطة لجنة خبراء دراسة في كل من الماينا الفيدرالية وانجلترا وفرنسا عن علاقة الإجرام بالأزمات الاقتصادية فتبين له أن الإجرام غير مرتبط بصورة مباشرة بالبطالة ، بالرغم من ظهور بعض المؤشرات الدالة على أن هناك فئة من المجرمين عاطلة عن العمل .
ونحن نرى أنه ليس في إمكان كل انسان أن يضبط نزعاته وحاجاته الرامية إلى تحقيق الحد الأدنى من العيش خاصة مع شعوره بالحرمان وضيق ذات اليد ومن ثم فعندما تغلق في وجهه أبواب العمل والرزق المشروع ، فإننا لانستطيع كبح جماح رغبته في تحقيق حاجاته التي يسلك عادة لتحقيقها طرف غير مشروعة .
النوع الثاني من البطالة : يكون نتيجة لسلوك الفرد نفسه وقد يتباين هذا السلوك ويختلف من شخص إلى آخر كالشخص غير الجدي في العمل ، أو الشخص سريع التنقل الذي لايستقر في عمل معين ، أو كالشخص الذي يطرد من عمله باستمرار بسبب سوء سلوكه ، فكل مثل هذه الحالات تكون البطالة فيها نتيجة لسوء التصرف أو عدم الجدية مما يعطي مؤشرا ينبئ باحتمال الانحراف السلوكي للفرد إذا تهيأت له الظروف المواتية .
هذا عن علاقة البطالة بالإجرام ، ولكن لايفوتنا أن نذكر أن العمل لايكفي بمفرده للحيلولة دون الإجرام حيث لابد من أن يكون مستوى الأجور مرتفعا أيضا .
مستوى الأجور وعلاقته بالانحراف :
لابد أن يكون الأجر مساوي للجهد الذي يبذله الفرد ، فالفرد في حاجة للشعور بأن جهده يقابله تقدير معنوي ومادي وإلا تولدت في نفسه ثورة تؤدي به في كثير من الأحيان على القيام بأعمال ضد القانون ، مثل الإضراب ، التحريض على التخريب وإثارة الشغب ، الانتقام من رب العمل ، تعاطي أعمال أخرى غير مشروعة لسد حاجته . فلابد أن يساعد الأجر العامل أو الموظف على سد حاجاته بل ويضمن له العيش على نفس المستوى الاقتصادي الخاص بفئته الاجتماعية .
ـــــــــــ
(1) council of Europe. Economic crisis and crime. Strasbourg. 1985
نقلا عن د/مصطفى العوجي ، المرجع سالف الإشارة إليه .
المطلب السابع
الدين وتأثيره على الإجرام
تعددت الدراسات والآراء حول بيان طبيعة العلاقة بين التدين والإجرام ، ولكنها لم تأت بنتائج حاسمة بل كانت نتائجها متباينة في كثير من الأحيان . فهناك من اعتبر أن الابتعاد عن الدين من العوامل التي تساعد على تزايد معدلات الإجرام مثل عالم الاجتماع الفرنسي جبرائيل تارد ، وهناك من رأى أن تقهقر ممارسة الشعائر الدينية من العوامل التي من شأنها أن تساعد على مكافحة الجريمة مثل عالم الاجتماع الايطالي انريكوفري .
ونحن نرى أن الدين من العوامل الرئيسية المانعة من الإجرام إذ أنه في الغالب ينأى بالمتدين عن طريق الجريمة مع ملاحظة أن الدين ليس شعائر وطقوس وصلوات وإنما هو في المقام الأول عقيدة روحية وقيم نبيلة لتستقر في أعمال النفس والوجدان ، بالإضافة إلى كونه منهج حياة يدفع صاحبه إلى السلوك السوي في علاقاته بالآخرين(1) .
ـــــــــــ
(1) انظر د/فتوح عبدالله الشاذلي ، المرجع السابق الاشارة إليه ، ص326 .
المبحث الثاني
العوامل الداخلية المؤثرة في إجرام النساء
تمهيد :
إن السلوك هو نشاط إنساني له أساس بيولوجي وثيق الصلة بالمجموعة العصبية والأجهزة المهيمنة على كيان الإنسان . والعدل يقتضي عند دراسة السلوك الإنساني أن نعود إلى الإنسان نفسه كي نتبين كنه سلوكه ، فالعامل الأساسي في دراسة السلوك المنحرف هو التكوين العضوي للإنسان ومن ثم مقدرته على التكيف الاجتماعي والتوافق مع متطلبات البيئة الاجتماعية التي يعيش ضمنها . هذا مايجعل الباحث في العلم الجنائي يرتد نحو تكوين الإنسان البيولوجي للوقوف علىماهيته وأثره في عملية تكوين السلوك المنحرف(1) ، ومن ثم آثرنا أن نتناول بالدراسة أهم العوامل الداخلية المؤثرة في إجرام النساء .
ـــــــــــ
(1) راجع بهذا الصدد د/زين العابدين سليم ، الغدة النخامية كقائد موجه للشخصية الإنسانية ، المجلة الجنائية القومية الصادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ، القاهرة ، مارس 1967 ص79 ومايليها . أيضا راجع د/مصطفى العوجي ، المرجع سالف الإشارة إليه ص406 .
المطلب الأول
السلوك الإجرامي
اختلفت تفسيرات العلماء حول السلوك الإجرامي فمنهم من قال أن هذا السلوك يعكس خللا في شخصية من يصدر عنه ومن ثم فيجب البحث عن هذا الخلل في تركيبه الجسدي أو العضوي ، بينما رأى البعض الآخر أن هذا السلوك يعكس أزمة نفسية ، بل هو حل لأزمة نفسية يمكن أن تكون آنية أو مزمنة . ويدعي فريق آخر من العلماء أن السلوك الإجرامي هو نتيجة لمؤثرات اجتماعية تفاعلت لدى الإنسان فأدت به إلى الانحراف عن الطريق القويم .
وكان مضمون ماقاله واطسن(1) (1878-1958) وهو من مؤسسي المدرسة السلوكية أن الإنسان يسعى لتحقيق التكيف مع بيئته من خلال الاستعدادات الوراثية والعادات المكتسبة ، حيث أن القدرة الوراثية والعادات التي يتعلمها الفرد تعد بمثابة السلاح الذي يساعد الفرد علىالتكيف مع ظروف البيئة المادية والاجتماعية التي يعيش فيها . ويجب على الفرد أن يتمتع بالمقدرة العضوية حتى يتفاعل مع محيطه ، كما يجب أن تكون لديه المقدرة الذهنية على التعلم والتحليل والاختيار والتقرير . هذه المقدرة تفترض أصلا محلا وراثيا مقوماته التكوين العضوي والجسدي والفيزيولوجي ، هذا الحمل الوراثي لابد للإنسان في تحديد معالمه وماهيته ومقدرته على التفاعل والتعلم . فالإنسان المتأخر عقليا بسبب عاهة موروثة أو لتوقف في نممو خلاياه الدماغية يكون غير قادر على التعلم والتكيف مع بيئته وذلك لأن تكوينه العضوي عاجز عن تلبية متطلبات التكيف والتعلم حيث أن هناك ارتباط وثيق بين مقدرة الإنسان على التعلم والتكيف وبين سلوكه ، فالسلوك دائما يكون عاكسا لمدى قدرة الشخص على الاكتساب ، كما يكون عاكسا للخلل الذي يعترض تلك المقدرة .
ـــــــــــ
(1) د/عبدالرحمن عيسوي ، معالم علم النفس ، دار المطبوعات الجامعية ، الاسكندرية ص72 .
إن السلوك الاجتماعي الذي تفرضه البيئة على الفرد يقوم على مجموعة من المبادئ والقيم الأخلاقية والثقافية والاجتماعية والدينية بمرور الوقت أصبحت أسسا للنظام الاجتماعي مطالب الفرد بالتكيف معها ومراعاتها ، فإذا كان الاستعداد الفردي ملائما لهذا التكيف كان التوافق والسلوك القويم للفرد . أما إذا تخلف الاستعداد الفردي عن التكيف لأسباب عضوية أو نفسية أو بيئية كان التناقض بين سلوك الفرد وسلوك الجماعة فالانحراف ثم الإجرام .
تصورنا للسلوك الإجرامي :
نحن نتفق تماما مع رأي د/مصطفى العوجي(1) القائل بأن الإنسان يقضي حياته في إقامة توازن مستمر بين نزعاته النفسية والبيولوجية من جهة وبين متطلبات الحياة الاجتماعية من جهة ثانية ، هذا التوازن يفرضه الحرص على سلامة النظم الاجتماعية وسلامة ذاتية وكيان ومصلحة الأفراد الذين يقاسمون الإنسان العيش في مجتمعه وكذلك تأمينا لاستمرارية الحياة الاجتماعية . هذا التوازن إن فقد انقلبت حياة البشر إلى نوع من التصادم المستمر الذي يسيطر فيه القوي على الضعيف ، وينعدم معه الشعور بالمسئولية الاجتماعية والأخلاقية وهما صفتا الإنسان الاجتماعي العاقل .
ـــــــــــ
(1) انظر د/مصطفى العوجي ، المرجع سالف الإشارة إليه ، ص412 .
المطلب الثاني
الوراثة
إن الإنسان يولد حاملا صفات لم يكن مخيرا فيها وينمو في أسرة لم يكن مخيرا في انتقائها وبمرور الوقت تصبح له شخصيته المستقلة ولكنه لايستطيع التحرر الكامل من بقايا الوراثة والمحيط اللذين فرضا عليه بحكم النشأة والتربية الأولى .
فالإنسان يأتي إلى الحياة وهو حاملا لصفات وطباع من كان سببا في حياته [الأب والأم] وكثيرا ماتلازمه تلك الصفات والطباع طوال حياته بل وتنتقل منه إلى ذريته ، فالأب الذي يحمل عاهة معينة من شأنها أن تنتقل بالوراثة إلى ابنه أو ابنته ليس ، ذلك فحسب بل إن الابن أو الابنة يورثان من الأب والأم التكوين الجسدي والاستعداد الفيزيولوجي ومافيهما من ضعف أو قوة . ولاشك أن المحامي الروماني ستانسيو(1) كان على حق عندما استهل مرافعته عن متهم بجناية حيث قال للمحكمة : "أيها السادة إن هذاالمتهم هو وليد ماصنعه والداه" ، وأخذ يسرد سيرة والده المدمن على السكر والعربدة وسيرة والدته الحسنة نوعا ما ولكن دون تأثير فعال على تربية أولادها ، وكيف أن المتهم يحمل في تكوينه الجسماني والنفساني ماأورثه إياه والداه من طباع واستعداد شخصي نحو الإجرام .
لذلك ونظرا للأهمية البالغة للوراثة فقد احتل علم الوراثة المركز الأول في درراسة العوامل الشخصية التي تؤثر في تكوين الشخص ، ومدى أثر الوراثة على الاستعداد الإجرامي للشخص ، حيث أنه مهما تطور الإنسان ومهما ابتعد عن والديه واختلف عن نهجهما فإنه يحمل دائما الطابع الذي منحه إياه الوالدان ويشمل هذا الطابع الناحية الطبيعية والفيزيولوجية وأحيانا النفسية . ومهما حاول الإنسان ونجح في تطوير وتعديل نواحي كثيرة من شخصيته فإن هذا التعديل لايمثل سوى تحسين مقصود لحالة وجد فيها نتيجة لما ورثه عن والديه .
ـــــــــــ
(1) هذا المحامي الروماني قد ألف كتابا في العلم الجنائي باللغة الفرنسية .
أيضا انظر د/مصطفى العوجي ،المرجع السالف الإشارة إليه ، ص446 ومابعدها .
وتنقسم الوراثة إلى نوعين : وراثة حقيقية ووراثة غير حقيقية .
الوراثة الحقيقية : هي التي تنتج من التقاء الخلايا الحياتية الصادرة عن الرجل والمرأة والتي تحمل في طياتها ميزات الكائنين اللذين صدراها ، هذه الميزات أيضا هي حصيلة مايحمله كل منهما عن أصوله والتي تنتقل من آبائه وأجداده وتسدل عليه طابعه الخاص .
الوراثة غير الحقيقية : هي التي تنتج عن عوامل طارئة على الجنين وتدمغه بطابع خاص أو عرض معين ، ويكون مصدر تلك العوامل الطارئة الوالدان ، حيث يكون أحدهما قد تعرض لمرض طارئ أو لحالة خاصة مثل تعاطي أحد الوالدين الكحول بإسراف مما يؤثر في تكوين الخلايا الحياتية ويسبب فيها بعض الانحلال أوالشتقق .
فالوراثة غير الحقيقية إذا لاتحمل صفات الوالدين الرئيسية بل هي عبارة عن نتيجة للأحداث الطارئة التي رافقت تكوين الجنين ونموه أثناء الحمل .
الوراثة والإنسان معتاد الإجرام :
تلعب الوراثة والانحلالات المكتسبة دورا رئيسيا في تحول الإنسان إلى مجرم بل وإلى مجرم معتاد ، حيث أثبتت الدراسات البيولوجية انتقال بعض السمات الخطرة ، في داخل تكوين الإنسان من أصوله ، ولكن ليس معنى ذلك أن نكتفي ببحث أثر عامل الوراثة بين الأصول والفروع فقط وإنما يجب أن يتسع نطاق الدراسة ليشمل الآباء والأجداد والأجناس ، بل "والحواش"(1) .
وعناصر الوراثة هي :
(أ) وراثة عميقة الجذور :
والمقود بها أن يكون آباء معتادي الإجرام وأجدادهم قد أدينوا بأحكام عقابية نفذت عليهم ، والتاريخ زاخر بقصص أسر المجرمين الخطيرين في الكثير من بلدان العالم . ولصدى تاريخ الأسرة الإجرامي أثره في انحراف الأولاد وفي اعتيادهم على الإجرام(2) .
ـــــــــــ
(1) انظر د/عبدالرحيم صدقي ، مبادئ علم الكريمونولوجي ، علم الإجرام في الفكر الحديث ، الطبعة الأولى ، عام 1985 ، كلية الحقوق جامعة القاهرة ، ص138 ومابعدها .
(2) انظر جيزير Geisert le criminal d'habitude : etude anthmoplogique,
Conseque nces penales et socials, these. Faculte de medicine et de pgarmacie, Lyon, 1932
(ب) وإما وراثة باثولوجية :
حيث أثبتت الدراسات الباثولوجية أن 60% على الأقل من المجرمين المعتادين يكونون في حالات خطرة مؤذية منذ لحظة ميلادهم . أي أن المجرم المعتاد في أغلب الأحوال يكون مريضا بمرض عصبي وراثي مثل (النرفزة العصبية ، حالة النورستانيا وهي الوهن أو الضعف العصبي ، الصرع) حيث يكون إجرامه ماهو إلا تنفيس أو رد فعل عكسي لحالات مرضية تستوجب العلاج الطبي لا العقاب أو الإيلام .
والجدير بالذكر أن من بين معتادي الإجرام يوجد نسبة كبيرة وإن كانت أقل من نسبة 60% لأفراد مصابين بالزهري [مرض جنسي خطير] أو الدرن [السل] .
ولايفوتنا في هذا المقام الإشارة إلى تأثير الإدمان [خمور ، مخدرات] وراثيا على الإنسان المعتاد الإجرام .
(ج) وإما وراثة فردية أو ذاتية :
حيث اتضح عند دراسة بعض حالات معتادي الإجرام عدم وجود العنصرين السابقين حيث تكون أسرة معتاد الجريمة في بعض الحالات شريفة حسنة السمعة لم يتعرض الوالدين لأي عقوبة جنائية . ومن ناحية أخرى تكون الحالة الصحية العامة جيدة داخل الأسرة . وقد تلاحظ بعد سؤال الأهل في حالات الأطفال الشواذ بالذات إن كان هناك تسمم في البويضة لدى الأم ، أو أن في مراحل الحمل كانت الأم مرهقة نتيجة للعمل الزائد أو لإدمان الخمور .
الانحلالات المكتسبة :
قد تلاحظ عند بعض معتادي الإجرام أنه لايوجد أي خلل باثولوجي وراثي أو ذاتي خلف انحرافهم ، حيث أشارت بعض الدراسات العلمية أنه قد تحدث اضطرابات في "الأجنة" بسبب إصابة في الرحم ناجمة من عدوى أو نتيجة تأثير إشعاعات معينة كأشعة اكس . مع ملاحظة أن هذه الانحلالات المكتسبة قد تظهر في مرحلة لاحقة على الإنجاب أي في مرحلة "الطفولة" وهنا يحدث الانحلال المكتسب ، وبالتالي الانحراف بفعل إصابة في الجمجمة ، أو التهاب سحائي معدي ، أو إصابات أخرى من هذا القبيل .
المطلب الثالث
نظرية بينتان(1) والشخصية الإجرامية
استخلص بينتال عناصر نظريته [نظرية بينتال في نواة الشخصية الإجرامية] من المحاولات العلمية المختلفة التي ألقت الضوء على شخصية المجرم ، حيث تبين أن هناك أربعة أوصاف تميز الشخصية الإجرامية .
الجمود العاطفي ، الأنانية ، عدم الاستقرار ، الهجومية .
أولا : الجمود العاطفي :
ينمو الجمود العاطفي مع الإنسان نتيجة لاختبارات سلبية تؤدي به إلى جفاف العاطفة لديه . والجمود العاطفي يجعل الإنسان لايشعر بما يصيب أقرانه والمحيطين به من ظروف قاسية ومؤلمة ، بل إنه ينظر لمن حوله وكأن لاوجود لهم ولاإحساس لديهم وكأنهم جماد .
ثانيا : الأنانية :
تتميز الشخصية الإجرامية بالأنانية حيث يتحول اهتمام الإنسان كله نحو نفسه ونحو إشباع شهواته ، حتى أنه ينظر إلى جميع الأشياء الخارجية من خلال إرضاء مصلحته منها . فالإنسان الأناني لايأخذ في الاعتبار مصالح الآخرين ، والأنانية كثيرا ماتدفع الإنسان إلى ارتكاب أي عمل من شأنه تحقيق مصلحته الشخصية دون النظر لشرعية هذا العمل أو قانونيته أو مخالفته للناحية الأخلاقية والاجتماعية من عدمه .
ثالثا : عدم الاستقرار :
تتميز الشخصية الإجرامية بعدم الاستقرار وسهولة انقياد الشخص وتنقله من فكرة إلى أخرى دون التركيز على هدف معين ، ودون اتباع منهج معين في الحياة يؤدي به إلى مثل عليا يسعى للوصول إليها ، حيث يكون كل همه إرضاء حاجة آنية دون النظر إلى المستقبل .
ـــــــــــ
(1) Noyau central de la persomslite criminelle. J.Penatel, criminology dolioz 1963 pages 473 et suinantes.
رابعا : الهجومية :
يتميز الفرد ذو الشخصية الإجرامية بالتعدي على الآخرين وتلك هي أهم ميزة تتميز بها الأعمال الإجرامية .
بعد أن وصف بينتال نواة شخصية المجرم أشار بضرورة وضع نظريته تحت الاختبار حتى يتبين للباحث صوابها .
المطلب الرابع
دور الغدد الصماء والهرمونات
الغدد الصماء هي مايسترو الجسم البشري فهي المدير والمنظم والموجه لأجهزة الإنسان العضوية .
التقدم العلمي بكل ماوصل إليه لازال حائرا ومندهشا أمام هذه الكائنات الحية في جسم الإنسان وماتقوم به من عمل فائق الدقة حيث أن جميع التفاعلات الوظيفية تتم بواسطتها سواء بصورة مباشرة أو نتيجة لتأثيرها على باقي الأعضاء .
ولعل أكثر غدد الإنسان أهمية هما الغدة النخامية والغدة الدرقية ، نظرا لما تقوما به من دور رئيسي في تنظيم فيزيولوجيا الإنسان ، ولذلك آثرنا أن نتناول كل منهما بالتفصيل .
أولا : الغدة النخامية(1) :
الغدة النخامية عبارة عن غدة بشكل البصلة تتدلى من السطح الأسفل الخلفي للدماغ وتستقر في فراغ عظمي في قاع الجمجمة وهي أقرب لسقف الحلق . وتتكون الغدة النخامية من قسمين أمامي وخلفي وكل قسم يختص بإفراز هرمونات معينة ، وتقوم الغدة النخامية بدور حيوي وهام جدا في جسم الإنسان ، مما حدا بالعلماء بأن يطلقوا عليها "الغدة الموجهة أو الغدة السيدة" وذلك لأن سائر الغدد تخضع لمؤثراتها .
وقد أوضح العلماء(2) أن أي زيادة في إفراز الغدة النخامية أو سائر الغدد يكون من شأنه زيادة غير طبيعية في نشاط الفرد ونموه حيث يزداد حجم الوجه واليدين والرجلين وتزداد قوة العضلات ، ومن ثم يتسم طابع مثل هذا الشخص بكثرة الحركة والحماس وشدة الانفعال ، والأنانية في التفكير والتصرفات ، مستعدا دوما للمشاجرة والتعدي .
وإذا نقص الإفراز حصل كسل في عمل سائر الأعضاء وأصبح الإنسان يشكو الكسل والبطء في الحركة والتفكير وتسيطر عليه حالة من الخمول المرضي .
ـــــــــــ
(1)،(2) انظر د/زين العابدين سليم ، المقال سالف الإشارة إليه .
وقد قام بعض الأطباء باستئصال الغدة النخامية من كلاب معروفة بشراستها فتبين لهم أنها أصبحت وديعة بعد عملية الاستئصال ، ثم عادت إلى شراستها بعد حقنها بهرمونات النخامية مرة ثانية .
وقد ظهر من دراسة إحصائية أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر عام 1959(1) على فئة من النسوة اللواتي يمارسن البغاء كمهنة لهن حيث ظهر من هذه الدراسة أن 85% منهن كن مصابات باضطرابات في افرازاتهن الهرمونية .
وقد تأكدت تلك النتيجة بما توصل إليه الطبيب الانجليزي د/غيبنيز(2) في دراساته للنساء السارقات من المحلات الكبرى حيث ذكر في تقريره عنهن المقدم للمؤتمر الجنائي الرابع الذي عقد في لاهاي سنة 1960 أن أغلب السارقات كن يشكين أثناء ارتكابهن الجرم أو قبله بفترة قصيرة اضطرابات هرمونية ناتجة عن وجودهن في فترة الحيض أو دخولهن سن اليأس أو أثناء الحمل .
ثانيا : الغدة الدرقية :
نفس ماقيل عن الغدة النخامية يطبق على الغدة الدرقية . إذ أن كثرة إفرازاتها تجعل الإنسان سريع الانفعال ، عصبي المزاج ، أما إذا قل إفراز تلك الغدد أقل مما يجب أصبح الإنسان خاملا وفاقدا للنشاط العقلي .
الخلاصة :
إن سلوك الإنسان الاجتماعي ومدى قدرته على التكيف مع محيطه الاجتماعي من عدمه مرتبط ارتباطا وثيقا باستعداده البيولوجي . وبما أن الغدد الصماء هي التي تتحكم بهذا الاستعداد فمن الممكن الربط بين وظائفها وسلوك الإنسان .
وبناء على ذلك فقد قال بعض العلماء الجنائيين أن هناك ارتباط وثيق بين شخصية المجرم واستعداده الإجرامي من جهة وبين عمل غدده الصماء من جهة أخرى .
ـــــــــــ
(1) المجلة الجنائية القومية ، القاهرة ، مارس ، عام 1960.
(2) د/مصطفى العوجي ، المرجع سالف الإشارة إليه ص343 .
وانظر أيضا : Dr. Gebbens, thefts from department stores, IV intermational
Congress on criminlology. The hague 1950 .
هذا مادفع الدكتور ابراهيم فهيم(1) أستاذ الهرمونات بكلية طب القصر العيني للقول "أنه من غير المستبعد أن يرى المشرع في المستقبل الحكم على الأشخاص الجانحين ذوي القلوب المتحجرة المليئة بالظلم والشر بالحقن بهرمونات ليحسنوا القيام بواجبهم نحو المجتمع" .
ـــــــــــ
(1) انظر مقال د/زين العابدين سليم ، السالف الإشارة إليه .
المطلب الخامس
السن
يقسم الباحثون مراحل العمر إلى أربعة [الطفولة ، المراهقة ، النضج ، الشيخوخة] والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل يوجد سن معين يتعرض فيه الإنسان ذكرا كان أو أنثى للإجرام؟ السؤال بصورة أخرى هل للسن تأثير على السلوك الإجرامي؟
مما لاشك فيه أن السن يعد مؤشرا لنمو الإنسان ونضوجه الجسدي والعقلي حيث أنه كلما تقدم في السن كلما اكتسب خبرة وأصبح أكثر سيطرة على ردود أفعاله الفطرية وأكثر تحكما في تصرفاته . ولكن تجدر الإشارة إلى أن النمو السني لايعد قرينة على النمو العقلي ، فقد يتعرض الإنسان لكبوات صحية أو عقلية من شأنها التأثير على نموه العقلي مما يؤثر في إرادته وقوة تحكمه في نزعاته فينعكس بالتالي بالسلب على سلوكه الاجتماعي .
ونحن نؤيد الرأي القائل بأن الإنسان معرض في كل مرحلة من مراحل حياته لخطر انحراف معين(1) . وطبقا لما توصلت إليه الإحصاءات في بعض البلدان أن الإنسان يكون أكثر تعرضا لخطر الانحراف بين سن الحادية والعشرين والخامسة والعشرين من عمره [21-25] ، بينما تفيد بعض الإحصاءات الأخرى أن الإنسان يكون أكثر تعرضا لخطر الانحراف بين سن الرابعة عشرة والسابعة عشرة من عمره [14-17] ، كما كان الحال في انجلترا بين عام 1959 وعام 1967 وفقا للإحصاء التالي :
من مائة ألف نسمة
ذكور
إناث
دون 14 سنة : 1402
دون 14 سنة : 47
14-17 سنة : 2780
14-17 سنة : 378
17-21 سنة : 2518
17-21 سنة : 270
21-30 سنة : 1514
21-30 سنة : 170
أكثر من 30 سنة : 339
أكثر من 30 سنة : 23
ـــــــــــ
(1) انظر د/مصطفى العوجي ، المرجع سالف الإشارة إليه ص481 ، 482 .
ومن مطالعة العديد من الإحصاءات(1) تبين لنا الآتي :
أن ذروة الإجرام تكون عند المرأة بين الخامسة والعشرين والثلاثين من عمرها ، بينما الإحصاءات الألمانية تقول أن ذروة الإجرام عند النساء والرجال بين 20-25 سنة .
وأن المرأة بعد أن تصل إلى قمة إجرامها في الثلاثين تعود إلى المستوى الطبيعي ثم تقفز أحيانا وفجأة في سن الأربعين أو الخامسة والأربعين وذلك بتأثير فيزيولوجي عائد إلى تكوينها الجسماني ودخولها سن اليأس .
ـــــــــــ
(1) Emest seelig. Traite de criminology, puf 19565, p.225 .
Jean pinatel, criminology, Dalloz, 1963. p.128
المطلب السادس
الصدمات النفسية
الأمراض النفسية وتأثيرهما على السلوك
أولا : الصدمات النفسية :
الصدمة النفسية هي : اصطدام آمال الشخص وأمنياته التي يسعى إلى تحقيقها بالواقع الفعلي المعاكس لتلك الآمال والأمنيات بصورة يصعب ويستحيل معها تحقيق تلك الآمال . ومن طبيعة هذا الاصطدام التأثير على شخصية الإنسان وثقته بنفسه إلى درجة التدهور وضياع السيطرة على النفس .
أنواع الصدمات متباينة على حسب الشخص والظروف المحيطة به والتي يتعرض لها(1) .
وتجدر الإشارة إلى أن ليس كل اصطدام أمل معين مع الواقع الفعلي مما ينتج معه استحالة تحقيقه من شأنه أن يولد مركب نقص ، حيث أن الصدمة النفسية التي تولد مركب النقص يجب أن تكون ذات تأثير على شخصية الإنسان ونفسيته وأن تنحدر به إلى مستوى دون المستوى الطبيعي من الثقة بالنفس ومواجهة الصعاب .
فالسقوط في الامتحان مثلا ليس من شأنه أن يولد مركب نقص لدى الطالب ، ولكن إذا اعتقد الطالب أنه قام بكل مايمكنه القيام به من مجهود دراسي وحاول مرات عديدة التقدم للامتحان وكانت النتيجة في كل مرة الرسوب دوما ، حيث يترتب على ذلك أن يتولد لدى الطالب شعور بأنه دون الآخرين كفاءة وذكاء وفهما وأنه من المستحيل عليه تجاوز هذا الحد من المعلومات . عندها يتولد مركب النقص الذي يؤدي إلى انحراف في السلوك ولكن دون أن يكون هذا السلوك إجراميا بصورة مستمرة .
ـــــــــــ
(1) انظر د/مصطفى العوجي ، المرجع سالف الإشارة إليه ص 482 .
الخلاصة :
العوامل النفسية لها تأثير فعال على السلوك الإنساني لايمكن تهميشه أو تجاهله . فالسلوك دائما ماهو إلا تعبير يختلج في نفس الإنسان من شعور وتفكير .
ثانيا : الأمراض النفسية :
يصاب الفرد أحيانا ببعض الأمراض النفسية التي من شأنها أن تحدث خللا في ذكائه أو إرادته أو تفكيره حيث يسيطر المرض على شخصيته وسلوكه بصورة قد تؤدي به أحيانا إلى الإجرام .
وتجدر الإشارة إلى أن هناك اختلاف بين الأمراض النفسية والأمراض العقلية .
الأمراض النفسية تنتج عن خلل عضوي أو نفسي ، أما الأمراض العقلية فتنتج غالبا عن إصابة الدماغ بعوارض عضوية ناجمة عن خلل أو مرض يعتري الخلايا الدماغية فيشل حركتها وفعاليتها بصورة جزئية أو كاملة مما يؤدي إلى توقف المواهب الإنسانية وانحلال الشخصية وفقدان السيطرة على النزعات العضوية والغريزية ، فتنطلق دون وازع أو رقيب تحقق غاياتها بصورة حيوانية . حيث يصبح رد الفعل نتيجة لمعادلة ميكانيكية قوامها : مثير واستجابة لهذا المثير دون المرور بالمحول الذهني الذي يتحكم بالاستجابة المذكورة .
ومن الأمثلة على العوارض المرضية مرض الصرع ومرض انفصام الشخصية(1) .
الخلاصة :
الأمراض النفسية والعقلية لها تأثير هام على السلوك الإجرامي ، وتندرج تلك الأمراض تحت علم النفس الجنائي الذي بدراسته نستطيع أن نفهم شخصية المجرم وتحليلها التحليل العلمي الدقيق للوقوف على ماتسببه الأمراض النفسية والعقلية من اضطرابات ونتائج .
ـــــــــــ
(1) انظر د/عدنان الدوري ، أسباب الجريمة وطبيعة السلوك الإجرامي ، جامعة الكويت سنة1973 ص184 ومايليها ، د.مصطفى العوجي ، المرجع سالف الإشارة إليه ص528 .
أهم العوامل الخارجية والداخلية
المؤثرة في إجرام النساء
تمهيد وتقسيم :
تناولنا في الفصل الثاني بالأرقام كيف أصبح إجرام النساء الآن وكيف كان في الماضي ، وخلصنا في النهاية إلى أن معدل إجرام النساء في ازدياد مستمر سواء داخل مصر أو خارجها ، لذلك كان من البديهي أن نتعرض للعوامل الخارجية والداخلية التي من شأنها التأثير على إجرام النساء سواء بالسلب أو بالإيجاب ، ومن ثم سوف ينقسم هذا الفصل إلى مبحثين .
المبحث الأول : العوامل الخرجية المؤثرة في إجرام النساء .
المبحث الثاني : العوامل الداخلية المؤثرة في إجرام النساء .
المبحث الأول
العوامل الخارجية
تمهيد :
لاشك في أن المرأة تولد وتنمو في محيط اجتماعي معين لايكون لها الخيار في تحديده أو انتقائه فيكون بمثابة التربة التي تغذي نشأتها الإنسانية فهي تشب ضمن هذا المجتمع وتكتسب عاداته ومبادئه السلوكية(1) . فالإنسان وليد الوراثة والمحيط ، فبقدر ماتكون المبادئ السائدة في المحيط الاجتماعي سليمة وصحيحة بقدر مايشب الفرد على
ـــــــــــ
(1) د/مصطفى العوجي ، المرجع سابق الذكر .
مبادئ سلوكية قويمة تشكل شخصيته ، والعكس صحيح فكلما كان المحيط الاجتماعي خاليا من القيم يسوده الانحلال كلما شب الفرد مشبعا بقيم سلبية هدامة ومتمتعا بشخصية غير متوازنة اجتماعيا ، شخصية هشة قابلة للانحراف السريع . ومن ثم كان لزاما علينا أن نتعرض للعوامل الخارجية التي من شأنها التأثير على إجرام المرأة .
المطلب الأول
الأسرة : دورها ـ تأثيرها
تقديم :
مما لاشك فيه أن الأسرة هي المجتمع الأول الذي تبدأ فيه الابنة حياتها وتقضي فيه طفولتها حيث تتأثر بكل مايمر بأسرتها من أحداث ومايحيط بها من مشاعر طيبة أو سيئة ، وماتلقاه من عناية أو إهمال . فالأسرة تلعب دورا هاما وحيويا وأساسيا في تكوين شخصية الفرد ذكرا كان أو أنثى ، حيث أن الفرد يميل في طفولته إلى التقليد ، وأول صور السلوك الذي تصادفه وتثير فيه النزعة إلى التقليد هومايحدث في نطاق أسرته ، ومن ثم كانت للأسرة أهميتها البالغة في علم الإجرام نظرا لما لها من دور خطير في تكوين الشخصية الإجرامية للطفل ، وقد صدق الإمام الغزالي حين قال : "إن الطفل أمانة عند والديه في قلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة من كل نقش وصورة وهو قابل لكل ماينقش ومائل لكل مايمال إليه" .
الفر ع الأول : دور الأسرة في خلق طفل مجرم :
أول صورة يراها الرضيع عندما يفتح عينيه على الدنيا هي منزل أسرته ، وفي منزل الأسرة يبدأ الأبوين في بناء شخصية طفلهما ، وعماد شخصية الطفل هو تكوين الضمير الأخلاقي لديه عن طريق غرس القيم الدينية والخلقية والاجتماعية في نفس الطفل فضلا عن تطوير وتنمية ملكات الجانب العاطفي لديه(1) ، ومما لاشك فيه أن دور الأبوين
ـــــــــــ
(1) د/فتوح عبدالله الشاذلي ، المرجع السابق الذكر ص289 .
في هذا المجال هو دور أساسي وحاسم ، حيث أكدت العديد من الأبحاث على أن أي خلل أو اضطراب يعرقل الأسرة عن أداء رسالتها في تربية طفلها يؤدي غالبا في المستقبل إلى الانحراف ومن ثم إلى الإجرام .
الفرع الثاني : دور الأم في تكوين شخصية طفلتها :
احتياج الطفلة لأمها يفوق احتياجها للماء والهواء ، فالطفل يعرف أمه ويحبها ويتعلق بها منذ وجوده في أحشائها وعندما ينزل إلى الدنيا فإن الإنسانة الوحيدة التي يستطيع أن يميزها ويشعر بدقات قلبها وماإذا كانت بجواره أم لا هي أمه ، وبناء عليه فإن الأم هي المدرسة والمعلم الأول لطفلها حيث تساهم بنسبة كبيرة في تكوين شخصية طفلها ومن ثم نستطيع ان نقول أنه إذا كانت الأم مجرمة أو منحرفة فمن البديهي أن ينتقل سلوكها الإجرامي هذا إلى طفلها بالمعاشرة والمخالطة خاصة إذا كان نوع الطفل أنثى لما هو معروف من أن الطفلة تكون دائما شديدة الصلة بأمها ، لصيقة بها ، ترى في والدتها القدوة فتقلدها في التصرفات وتقلدها في الملبس والمأكل والحديث ، وبمرور الوقت تصبح الطفلة صورة مصغرة لأمها ، ورويدا رويدا نجد أنفسنا أمام الأم بذاتها لايوجد اختلاف سوى في بعض الأشياء غير الجوهرية ، ولكننا لانستطيع التأكيد على أن انحراف الأم يتبعه انحراف الابنة ، وأن مثالية الأم تتبعها مثالية الابنة فكثيرا مانجد فتاة فاضلة لأم ساقطة أو فتاة ساقطة لأم فاضلة ، ويتبادر هنا إلى ذهننا سؤال هام كيف تنزلق الفتاة إلى الهاوية وهي تعيش في كنف أم فاضلة؟
إن الإجابة على هذا السؤال تكمن في كيفية معاملة الأم لابنتها حيث أن كثرة تعلق البنت بأمها تولد لديها عقدة نفسية تكون من آثارها حاجة الابنة الدائمة إلى العطف وخوفها من الحياة والابتعاد عن الآخرين وتأثرها الشديد بما توحي إليها به أمها . أما ابتعاد الأم عن ابنتها أو وفاتها يولد لدى الابنة فراغا عاطفيا يكون من شأنه تجمد عاطفة الابنة نحو الآخرين وعدم تأثرها أو انفعالها بما يصيب الغير وطمس شعور الرأفة والحنان لديها بما يجعلها إنسانة حادة يمكن أن ترتكب الأفعال القاسية دون رادع ودون أن يؤثر فيها بكاء أو توسل وكأن في قيامها بتعذيب الآخرين تعويض لها عن عذابها وشفاء لها من أمراضها . هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن ضعف شخصية الأم في معاملتها مع ابنتها يجعلها تشب على هواها لاتعرف حدودا لتصرفاتها ولاحرمة لمن يكبرها في العمر ولاطاعة لأهلها ، مستهترة لاتقدر عواقب الأمور .
أما إذا كانت الأم قوية الشخصية شديدة المراس عنيفة في معاملتها مع ابنتها بدرجة كبيرة نشأت الابنة محرومة من الشعور بالعطف ، سهلة الانقياد لأي شخص يغمرها بالحنان والعطف ، منكمشة على نفسها ، تعاني من كبت في شخصيتها وميولها . وفي كل الحالات لاتنشأ الابنة نشأة طبيعية بل نشأة يعتريها خلل جوهري يؤثر في تكوين شخصية الابنة وحاستها الاجتماعية . وفي النهاية نؤكد على دور الأم في تكوين شخصية ابنتها هو دور حاسم وجوهري لايمكن تهميشه أو تجاهله ، وأن فقد الابنة لأمها نتيجة لقسوة الأم أو لموتها يكون عاملا رئيسيا في انحراف سلوكها مستقبلا ، والأمثلة عديدة على ذلك ولعل أبرزها ماطالعتنا به الصحف وتحديدا أخبار الحوادث في عددها الصادر بتاريخ 3 نوفمبر 2005 جريمة بعنوان طالبة الألسن في السجن ، وملخص الجريمة يتمثل في أن فتاة ماتت أمها وهي تلدها فاحتضنها والدها حتى التحقت بكلية الألسن ومنذ صغرها وهي تسرق الآخرين بالرغم من ثراء عائلتهامما حدا بوالدها إلى الإبلاغ عنها ليقف أمام المقدم/ علاء عابد رئيس مباحث الهرم يطلب القبض على ابنته حيث أثبتت تحريات المباحث قيامها بارتكاب سبعة عشرة جريمة مابين سرقة ونصب لتقف الفتاة أمام ضباط المباحث وتقول أنها لاتدري لماذا تسرق وماالهدف من سرقتها؟ ولعلنا نستطيع أن نقول أن فقد تلك الفتاة لأمهامنذ أن كانت رضيعة كون عندها عقدة نفسية فأصبحت ترغب في الانتقام من الدنيا التي حرمتها من أمها فلم تجد غير السرقة كوسيلة للانتقام ، خاصة أن الأب لم يستطع تعويضها عن حنان الأم فقسوته واضحة ، فبدلا من أن يعالجها أبلغ عنها الشرطة ، وكان الأحرى أن يكون مانشيت الخبر عالجوني قبل أن تحاكموني .
الفرع الثالث : دور الأب في تكوين شخصية طفلته :
مما لاشك فيه أن دور الأب في حياة ابنته لايقل أهمية عن دور الأم فهو يمثل الاستقرار والأمان بالنسبة لها ، فالابنة دائما في حاجة لوجود والدها بجوارها حيث يتحمل مسئوليتها ويبدي لها النصح والإرشاد ويشملها برقابته ويحميها ويسندها عند الصعاب ، فالأب بالنسبة للابنة الشمعة التي تضئ لها الطريق ، والأسد الثائر الساهر على حمايتها وأمنها وأمانها من شر ذئاب الحياة . ولاخلاف على أن سلوك الأب بين أفراد عائلته يؤثر أيضا على سلوك ابنته ، فإذا كان الأب قاسيا شديداعلى ابنته بصورة مبالغ فيها أصبحت الابنة غير واثقة بنفسها ، محطمة الإرادة ، غير ناضجة اجتماعيا مترددة في اتخاذ قراراتها متوهمة دائما أنها على خطأ وأن الغير أفضل منها . أما إذا كان الأب ضعيفا غير حازم في معاملته فإن الابنة تنشأ لاحرمة لديها لأحد ولاتقدير فتتصف أفعالها ومواقفها باللامبالاة والاستهتار .
أما في حالة الأب الفاسد مدمن الكحول أو المخدرات والذي يعود إلى منزله فاقدا للوعي فإن هذه الحالة تجعل الابنة تسلك طريق من اثنين :
الطريق الأول : شعورها بأن كرامتها تمس في الصميم وبناء على ذلك تحاول أن تثأر لنفسها وتنقذ والدتها من براثن والدها فتعتمد على نفسها وتحاول البحث عن عمل يدر عليها ربحا تستغنى به عن أبيها .
الطريق الثاني : انحراف الابنة وتوجهها نحو الشر كالقيام بأعمال إجرامية يعاقب عليها القانون مثل (ممارسة البغاء ، تجارة المخدرات ، السرقة) ليكون مصيرها خلف القضبان .
وقد ورد بكتاب الشبيبة المنحرفة تتهمكم للآنسة أوديت فيلبون(1) نتيجة إحصاء عالمي أجري بين سنة 1946 و1949 وتناول 18376 فتاة جانحة في 25 دولة من أنحاء العالم حيث كانت النتيجة الرئيسية لهذا الإحصاء في بعض الدول كما يلي :
الدولة
الجانحات
اليتيمات
بنات غير شرعيات
بنات مهملات ومشردات
هجر الوالدين
طلاق الوالدين
ألمانيا
1244
22.5%
13.98%
3.93%
--
14.95%
انجلترا
1146
16.75%
15.27%
6.02%
--
14.83%
الأرجنتين
919
7.88%
62.89%
6.20%
5.87%
3.91%
استراليا
390
9.75%
--
1.28%
1.28%
8.46%
النمسا
400
5%
32%
2%
--
50%
بلجيكا
361
13.85%
34.90%
8.31%
2.49%
55.40%
كندا
1384
26.87%
4.55%
9.32%
16.54%
2.81%
مصر
80
56.25%
50%
18.75%
--
7.50%
الولايات المتحدة
4638
10.54%
5.51%
3.40%
2.37%
27.01%
فرنسا
3775
14.49%
13%
8.74%
0.45%
27.01%
ايطاليا
892
36.54%
21.52%
9.52%
--
9.52%
البرتغال
731
22.84%
20.51%
7.11%
--
4.24%
حيث خلصت الباحثة إلى النسب الآتية بين الجانحات :
يتيمات 18.09%
بنات غير شرعيات 16.01%
مهملات أو مشردات 6.88%
الوالدان مفترقان 2.30%
الوالدان مطلقان 20.04%
وأن نسبة انحلال العائلة في الإجمال بلغ 81.88% هذا الانحلال ناتج عن أحد العوامل المذكورة أعلاه .
رأينا في الموضوع :
من مطالعة الإحصائية السابقة يتضح لنا مدى أهمية دور الأسرة في حياة الابنة والدور الحيوي الذي تساهم به كل أسرة في تكوين شخصية ابنتها . وبالنظر إلى نتائج الإحصائية أيضا يتضح لنا أن الأسرة المفككة تكون العامل الرئيسي في انحراف ابنتها ، حيث أن طلاق الوالدين من شأنه انحراف الأبناء نظرا لما قد يسبق الطلاق من خلافات ومشاحنات ومايلي الطلاق من تفرق الوالدين وتشتت الابنة أو الابن بينهم وشعورهم بنقص عن باقي أقرانهم .
أما عن اليتم فإننا لانستطيع أن ننكر تأثيره المباشر على سلوك الفتاة حيث أنه مهما كانت درجة عطف وعناية سائر الأقارب فإنها أبدا لاتقوم مقام عاطفة ورعاية الأم أو الأب فلو اجتمع أهل الدنياجميعهم على تعويض الابنة عن فقدها لوالدها أو والدتها لوقفوا جميعهم عاجزين عن سد الفراغ العاطفي الذي تشعر به الابنة في حال غياب أحد والديها ، فضلا عن أن المحيط العائلي المصطنع الذي تنتقل إليه الفتاة في حال وفاة أحد والديها أو كليهما يسبب لها بعض التصدع في حياتها ، الأمر الذي يستحيل معه انسجامها الكلي مع محيطها الجديد ، هذا مايحمل بعض الفتيات على الهروب من بيوت أوليائهن والتشرد مما يقودهن حتما إلى الانحراف .
أما عن الجانحات من البنات غير الشرعيات فنرى أن ذلك مرده إلى إدراك الفتاة لوضعها المشين وإلى صفة الذل التي ترافقها بالنظر إلى أقرانها المولودات من زواج شرعي مما يولد لديها الشعور بمركب نقص تحاول دائما أن تغطيه بأعمال وتصرفات غالبا ماتكون إجرامية ونادرا ما تكون حسنة .
الفرع الرابع : مشكلة الابنة الوحيدة ـ أولاد الأسر الثرية ، كثرة الأولاد في العائلة الواحدة :
أولا : مشكلة الابنة الوحيدة :
قد يتصور البعض أنه لاتثور مشكلة بالنسبة للابنة الوحيدة نظرا للاهتمام والرعاية المبالغ فيهما من قبل والديها حيث يكون من الصعب انحرافها نظرا لأن لكل متطلباتها مجابة ، ولايوجد غيرها يحظى بعناية الوالدين ، ولكن علميا وعمليا نجد أن مشكلة الابنة الوحيدة على قدر كبير من الأهمية حيث تثور المشكلة عندما تنشأ الابنة الوحيدة في كنف والدين يوجهان نحوها كل الاهتمام محاولين حمايتها من كل العوامل التي يمكن أن تسبب لها أي إزعاج ولو بسيط ، فضلا عن قيامهما بتذليل كل العقبات التي يمكن أن تقف عائقا أماما وفي أحوال كثيرة يحملان عنها حتى عبء التفكير مما ينتج عنه نشأة الابنة وترعرعها في جو من الأنانية تفقد في ظله الشعور بالغير ، رافضة تماما أن يشاركها أي إنسان آخر في هذا الجو المترف فتتسم حينئذ شخصيتها بالخوف والتردد والأنانية التي تكون أول طريق الانحراف السلوكي الذي يمكن وبسهولة أن يكتسب الصفة الإجرامية .
ثانيا : مشكلة كثرة الأولاد في العائلة الواحدة :
إن كثرة عدد الأولاد في الأسرة الواحدة ينتج عنها مضاعفات جسيمة تنعكس على سلوك الأبناء لاسيما عندما تكون الإمكانيات المادية للأهل محدودة ، فضلا على غياب الرقابة والتوجيه نظرا لانشغال الأب بالبحث عن لقمة العيش وتوفيرها لأبنائه ، وانشغال الأم بالمهام المنزلية من إعداد الطعام والنظافة وخلافه إن لم تكن تعمل أيضا في الخارج . حيث تكون النتيجة المنطقية لهذا الوضع هي تشتت الصغار وفرارهم إلى الشوارع نظرا لانعدام الرقابة فضلا عن الخلافات التي تنشأ بين الاخوة والغيرة التي تدب في نفس أي منهم إذا حظى أخيه بعناية واهتمام والديه ، فتجتمع تلك العوامل لتصنع لنا في النهاية شخصا قلما يكون فالحا وغالبا مايكون منحرفا .
ثالثا : مشكلة أولاد الأسر الثرية :
إن مشكلة أولاد الأسر الثرية تحظى باهتمام بالغ من جانب العلماء وذلك نظرا لازدياد معدل الإجرام بين أولاد تلك الأسر خاصة الأحداث منهم .
وقد تعرض الدكتور اندره رسون لتلك المشكلة في مقال نشر له في المجلة الدولية للعلم الجنائي والبوليس الفني(1) وخرج بالنتائج التالية :
(أ) أن مرد انحراف أبناء الأسر الثرية يعود في المقام الأول إلى انصراف آبائهم إلى الحياة المادية سعيا وراء الحصول على المال دون الالتفات إلى أبنائهم ، وانهماك الأم بمظاهر الرفاهية والحفلات والسهرات مما ينتج عنه حرمان الأبناء من العطف والحنان والرعاية ، حيث يتولد لدى الطفل شعور بالفراغ العاطفي ، مع ملاحظة أن تكليف المربية بأمر الأطفال لايعوضهم عن حنان الأم والأب المفتقد بسبب لهث الوالدين خلف المادة .
(ب) يتصف أبناء الأسر الثرية بالكذب والنفاق لدرجة المرض فهم دائما يحاولون إيهام الناس والظهور بمظهر لايمت إلى حقيقتهم بصلة ، ولعل أهم هذه المظاهر إعطاء أهمية خاصة لشخصهم ، وفي الحقيقة أننا لو جردناهم من اسم العائلة التي يحملونها ومن قناع الثراء الذي يرتدونه لأصبحت شخصية كل منهم أقل من الوسط .
(ج) بالرغم من الثراء الذي يتمتع به أبناء الأسر الثرية إلا أنهم دائما في حاجة مستمرة إلى النقود للصرف على مذاتهم وفي ظل غياب الرقيب على تصرفاتهم نجدهم سريعا ماينزلقون إلى الهاوية حيث يرتكبون جرائم السرقة أو القتل أو إعطاء شيكات بدون رصيد .
(د) أن أبناء الأسر الثرية يميلون دائما إلى تعاطي الكحول وعدم المحافظة على صحتهم مما يعرضهم لأخطار جسيمة تكون نتيجتها الحتمية اندفاعهم إلى طريق الجريمة ، وقد ذكر د.ربون مثالا على ذلك وهو قيام ثلاثة أولاد دفعهم مرض الغيرة الذي تملكهم إلى محاولة قتل أشقائهم .
ـــــــــــ
(1) Andre Repond. Mauvais sujets de bonnes familles. Revue international de criminology et de polece technique. 1955.
No.3, p.201
نقلا عن د/مصطفى العوجي ،المرجع سالف الإشارة إليه .
ونحن نضيف : أن انعدام الرقابة يمثل السبب الرئيسي في انحراف الأبناء سواء كانوا أبناء أسر ثرية أو غير ثرية ، فرقابة الوالدين لأبنائهما خاصة في سن المراهقة هامة جدا ، ولاسيما على الإناث حيث أن الابنة في سن المراهقة تكون مضطربة التفكير سهلة الانقياد عاطفية سريعة التأثر بأصدقائها نظرا للتغيرات الفسيولوجية التي تمر بها في تلك المرحلة ، فضلا عن أنه لايوجد مجتمع مدرسي أو اجتماعي يخلو من أصدقاء السوء الذين يمثلون في حقيقة الأمر خطرا داهما على بناتنا يمكن في لحظة أن يعصف بالأسرة جميعها . ولعل أبرز جريمة اهتزت لها الأرض والسماء قد طالعتنا بها الصحف تحديدا صحيفة أخبار الحوادث العدد 713(1) بتاريخ 1 من ديسمبر سنة 2005 كانت لطالبة معهد الكمبيوتر وحيدة والديها التي قتلت أمها بسكين حاد ، نعم قتلت أمها بسكين حاد وظلت تطعنها في كل أجزاء جسدها حتى تفجرت الدماء منها وسقطت وسط بركة من الدماء ، والسبب كان أصدقاء السوء والتدليل الزائد للابنة الوحيدة . وطبقا لاعترافات المتهمة أمام رئيس مباحث قسم 15 مايو فإنها نشأة في أسرة صغيرة تضم الأب والأم ولم ينجبا سواها الأمر الذي ساهم في تدليلها وتلبية كل طلباتها وعلى حد قولها كانت "أحلامها مجابة" وبعد وفاة الأب ارتبكت الحالة المادية للمتهمة ووالدتها في تلك الأثناء تعرفت المتهمة على صديقة سوء زميلة لها في معهد الكمبيوتر حيث أقنعتها بممارسة البغاء بأجر مما كان له أبلغ الأثر في تمرد المتهمة على حياتها وعلى والدتها وبدأت تدب بين المتهمة وأمها الخلافات والمشادات حتى قامت الأم بضبط ابنتها أثناء هروبها من المنزل مما أثار غضب الابنة وحدا بها إلى أن تمسك بسكين وتقتل أعز الناس . أمها ..
ليس ذلك فقط بل قامت المتهمة بتبديل ملابسها الملوثة بدماء أمها القتيلة وأخفتها وخرجت إلى المعهد وعادت في خطة تمويهية لتصرخ وتؤكد أن أمها قتلت أثناء وجودها خارج المنزل ، ليس ذلك فقط بل أنها جلست في سرادق العزاء تبكي أمها وتتلقى عزاءها وفي النهاية ألقت المتهمة باللوم على والديها وأرجعت إجرامها وانحرافها إلى التدليل الزائد الذي كان العامل الرئيسي لنشأتها ضعيفة الشخصية والإرادة ، فضلا عن عصبية
ـــــــــــ
(1) انظر الملحق بآخر البحث .
المزاج التي كانت تتمتع بها وثورتها لأتفه الأسباب . وإن كنا آثرنا أن نتناول تلك الجريمة بالذات للتأكيد على وجود مشكلة الابنة الوحيدة وسهولة إنزلاقها إلى عالم الإجرام ، هذا من جهة ومن جهة أخرى لتأييد رأينا على ضرورة وأهمية الرقابة على الأبناء في سن المراهقة .
الفرع الخامس : مسكن الأسرة :
مسكن الأسرة له تأثيره الخاص على تكوين شخصية الفرد فهو يحدد مدى استجابته للمؤثرات الخارجية ، فضيق مسكن الأسرة ينعكس على سلوك الأبناء ويؤثر على صحتهم ويقلل من قدرتهم على التركيز وأداء الواجبات مما يجعلهم يكرهون البقاء في المنزل ويفرون إلى الشوارع ومنازل الأصدقاء مما يسهل انحرافهم .
وقد دللت العديد من الدراسات المتعلقة بإجرام الريف والمدن على أن التكدس السكاني في ضواحي المدن هو الذي يؤثر على معدل الإجرام حيث دلت دراسات عديدة أجريت في فرنسا إلى أن الأحداث الذين ينزلقون إلى طريق الإجرام يأتي معظمهم من العمارات السكنية الجماعية . ولكن لايمكن الجزم بأن وجود مسكن الأسرة في التجمعات السكنية الشعبية هو الذي يساهم في تكوين الشخصية الإجرامية(1) .
ـــــــــــ
(1) د/فتوح عبدالله الشاذلي ، المرجع السابق الذكر ، ص291 .
المطلب الثاني
المدرسة وتأثيرها في تكوين الشخصية
المجتمع المدرسي هو أول مجتمع يخرج إليه الطفل بعد سنوات عمره القليلة التي قضاها مع أسرته(1) .
فمن خلال المدرسة يبدأ أول احتكاك للطفل بالعالم الخارجي حيث يبدأ في تكوين علاقات صداقة مع أقرانه ويبدأ في التعامل مع أساتذته ، إذ يتلقى المعلومات ويدرب على الحياة الاجتماعية المشتركة وعلى القيم الدينية والأخلاقية ، ففي هذه المرحلة تبدأ شخصية الطفل أو الطفلة في التكوين والنمو فيظهر حينئذ استعداده الشخصي للتكيف والانسجام مع الحياة الاجتماعية ، فضلا عن بروز مواهبه الخاصة ودرجة ذكائه واستيعابه لما يتلقاه من دروس ومعلومات . فالطفل يقضي في مدرسته ثماني ساعات يوميا يكون خلالها بعيدا عن أسرته تماما .
من هنا تبرز أهمية دور المدرسة والمعلم في تكوين شخصية الطالب أو الطالبة مما يستلزم معه اختيار القائمين على مهنة التدريس بعناية فائقة فضلا عن إخضاعهم لتأهيل علمي دقيق . فالمدرسة لاتقوم فقط بدور تعليمي وتثقيفي تجاه طلابها بل تقوم أيضا بدور تربوي وتهذيبي ، فالمدرسة في رأينا سلاح ذو حدين فلو استطاعت القيام بدورها التربوي والتعليمي على أكمل وجه لكانت حينئذ عاملا فعالا يقي الطفل من الانحراف والإجرام ، والعكس صحيح فإذا أخلت المدرسة ولو بصورة بسيطة في أداء دورها التعليمي أو التربوي لأصبحت عاملا من عوامل انحراف الطالب وإجرامه . وتشير الإحصاءات الجنائية إلى أن المتهمين في الجرائم الخطيرة معظمهم من الأميين أو من الذين تلقوا مبادئ القراءة والكتابة . وفي مصر توضح الإحصاءات الجنائية أهمية الدور الوقائي للتعليم في مكافحة الجريمة(2) .
ـــــــــــ
(1) انظر د/فتوح عبدالله الشاذلي ، المرجع سالف الإشارة إليه ، ص293 .
(2) انظر الدكتور/محمد أبو العلا عقيدة ، أصول علم الإجرام ، 1994 ، ص227 .
ونعود لنلقي مزيدا من الضوء على دور المعلم وتأثيره على تكوين الشخصية السليمة لتلاميذه ، فمسئولية المعلم هامة وكبيرة حيث يقع عليه عبء دراسة شخصية كل تلميذ من تلاميذه والوقوف على العيوب والمميزات . كما يقع عليه في حالة تأخر الفهم والإدراك لدى أحدهم مهمة الكشف عن أسباب هذا التأخر والبحث في كيفية معالجتها فضلا عن قيامه بمراقبة سلوك كل تلميذ مع أقرانه وتقويم سلوكهم عند الاقتضاء .
وفي مصر نرى أن مرد ازدياد معدل إجرام النساء يعود إلى عدة أسباب جوهرية أهمها فقد المدرسة لدورها التعليمي والتربوي حيث أصبح المدرسون لايهتمون بشرح الدروس داخل المدرسة معتمدين في ذلك على الدروس الخصوصية ، ذلك الوباء الذي أصبح يسيطر على المجتمع المصري فضلا عن انعدام الدور التربوي للمدرسة وللمدرس تجاه الطلاب ، ومؤشر ذلك ماتطالعنا به الصحف يوميا من جرائم [مدرس يفقأ عين تلميذه طالب يطعن مدرسه بالمطواة ، مدرس يغتصب تلميذته ، مدرس يهتك عرض تلميذته داخل الفصل] وفي النهاية نقول أن المدرسة لها دور تعليمي وتربوي هام جدا ومؤثر في تكوين شخصية الفرد ذكرا كان أو أنثى(1) .
ـــــــــــ
(1) انظر د/مصطفى العوجي ، الأمن الاجتماعي وارتباطه بالتربية المدنية ، مؤسسة نوفل ، بيروت عام 1984 . ومضمون هذا المؤلف التأكيد على دور المدرسة في أداء الرسالة التربوية المدنية وأثرها في توفير الأمن الاجتماعي .
المطلب الثالث
المحيط المهني
بعد أن ينهي الفرد المرحلة الجامعية أو المدرسية يبدأ في الانتقال إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة الحياة المهنية ، وإذا تخصصنا أكثر في الحديث فنقول أن الفتاة بعد إنهائها للمرحلة الجامعية أو المدرسية يكون أمامها خيار من اثنين ، الأول : الانتظار في المنزل حتى الزواج ، الاختيار الثاني يتمثل في النزول إلى الحياة العملية والبحث عن وظيفة . فالمفروض بصورة مبدئية أن تختار الفتاة المهنة التي تريدها ولكن في ظل الظروف الاقتصادية السيئة وظروف العمل الأسوأ يفرض عليها أحيانا نوعا من العمل لم تكن تريده والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو هل العمل يؤثر على الإجرام؟ وهل هناك محيط مهني معين يسبب الانحراف والإجرام؟
أولا : تأثير العمل على الإجرام :
من البديهي أن وجود العمل المناسب للفرد يحميه من الانحراف والانزلاق إلى عالم الإجرام ، فالعمل يحدد المركز الاقتصادي للفرد فهو مصدر الدخل الذي يتاح لأسرته أو لإشباع حاجاته للمسكن والغذاء . ومن ثم فإن فشل الفرد في الحصول على وظيفة يجعله عرضة أكثر من غيره إلى الانحراف . كما أن عدم وجود العمل يؤدي إلى فشل الجهود المبذولة من أجل التأهيل الاجتماعي لمن سبق الحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية وبناء عليه فإن غياب العمل يعد أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى العود إلى طريق الإجرام . فضلا عن أن العمل يتيح فرصة الاتصال والاختلاط بزملاء المهنة على اختلاف اتجاهاتهم وأنواعهم مما يثير مشاكل قد تدفع الفرد إلى السلوك الإجرامي ، مثل المشاحنات التي تقع بين العامل ورب العمل وتدفع العامل في بعض الأحيان إلى الاعتداء على رب العمل ، مثال آخر قيام رب العمل بالتحرش الجنسي بالعاملات عنده ، فضلا عن جرائم الرشوة والتزوير التي تقع نتيجة احتكاك الموظف لجمهور العاملين .
ثانيا : هل يوجد محيط مهني معين يسبب الانحراف أو الإجرام؟
طبقا لما ذكره بعض الباحثين الجنائيين فإن هناك بعض المهن التي يكون من شأنها تطوير الاستعداد الإجرامي الكامن لدى بعض الأشخاص .
ذكر تقرير لمكتب المخدرات في الولايات المتحدة(1) أن نسبة الإدمان على المخدرات بين الأطباء هناك 1% بينما نسبتها بين المواطنين 1 من كل 3000 نسمة .
ذكر أيضا بعض الباحثين أن ممارسة مهنة التمريض أو بيع الأدوية تساعد على تعاطي المورفين أو تسهيل تعاطيه . ذكر بعض الباحثين أيضا أن احتراف مهنة الخياطة من قبل الفتيات الحديثات العهد بالحياة الاجتماعية يعرضهن للانحراف حيث أن أغلب الفتيات يأتين من مستويات اجتماعية ضحلة فينبهرن بمظاهر الثراء التي ترافق حياة زبائن المحلات فيتولد لديهن شعور بالغيرة وعند محاولتهن التقليد يجدن أنفسهن قد سلكن طريق الإجرام ، مثل انضمامهن إلى شبكات الرقيق الأبيض أو التهريب أو بيع المخدرات سرا .
ومما سبق يتضح لنا أن المهنة يمكن أن تشكل عاملا مساعدا على الانحراف بما توفره من أجواء وظروف تمكن الممارسين لها من الإقدام على ارتكاب بعض الجرائم(2) .
ـــــــــــ
(1) Marshol clinard, sociology of deniant behavioy. 1968, p.310 .
(2) انظر د/مصطفى العوجي ، دروس في علوم الإجرام ، سبق الإشارة إليه ص572 .
المطلب الرابع
مجتمع الأصدقاء ومنزل الزوجية
أولا : مجتمع الأصدقاء :
عادة يختار الشخص أصدقاءه بحرية تامة حيث يلجأ الشخص إلى اختيار أصدقاء يتفقون معه في الميول والاتجاهات . ومما لاشك فيه أن للأصدقاء تأثير كبير على شخصية الفرد ، فإن كان الصديق ملتزما صالحا عونا على الخير يحترم القانون كان تأثيره على الفرد في الغالب تأثيرا حسنا . والعكس صحيح فإذا كان الصديق غير ملتزم يحبذ التمرد والثورة ولايحترم القانون كان تأثيره سيئا على الفرد ، بل يكون عاملا مساعدا على الانحراف والإجرام .
ويزيد من حدة تأثير الصديق على صديقه سوء معاملة الأسرة للفرد أو فقرها أو قسوتها الزائدة أو انعدام الرقابة خاصة على الإناث حيث أن الفتاة دائما تحتاج إلى رقابة صارمة من أهلها حتى يتمكنوا من إنقاذها في الوقت المناسب من الانزلاق إلى الهاوية لاسيما أن أصدقاء السوء من أكثر العوامل المؤدية إلى انحراف الفتاة . وقد لاحظ بعض الباحثين أن من بين العائدين إلى السرقة من البالغين أكثر من 50% منهم كانوا يقضون أوقات فراغهم في أماكن للترفيه كانت معتبرة في فترة إجراء الدراسة من الأماكن سيئة السمعة مثل أماكن القمار والسهرات والمقاهي .
وانتهى بعض الباحثين إلى أن معاشرة أصدقاء السوء من المجرمين أو المنحرفين أخلاقيا تؤثر تأثيرا مؤكدا علىتكوين الشخصية الإجرامية(1) .
ومما سبق يتضح لنا مدى أهمية العناية بأوقات الفراغ لدى الشباب لاسيما الطلبة والطالبات خلال الاجازة الصيفية ، وعلى كل أسرة أن تهتم بكيفية شغل أوقات فراغ أبنائها وبناتها بالطرق السليمة حيث أن حسن استغلال أوقات الفراغ لدى الشباب من شأنه أن يقيهم الوقوع تحت تأثير العصابات الإجرامية ويحميهم من الانحراف والإجرام .
ـــــــــــ
(1) انظر د/مصطفى العوجي ، دروس في علوم الإجرام ، سبق الإشارة إليه ص572 .
ثانيا : منزل الزوجية :
الحياة الزوجية من شأنها إحداث تغيير شامل في حياة الزوجين ومن ثم فهي يمكن أن تكون من العوامل المضادة للإجرام ، ولكنها في بعض الأحيان يمكن أن تكون من العوامل التي تدفع إلى الإجرام .
حيث أثبتت الدراسات التي أجريت لتحديد العلاقات بين الزواج وتكوين الشخصية الإجرامية عن نوعين من الآثار المتعلقة بالزواج ، حيث ثبت أن نسبة غير المتزوجين من المحكوم عليهم تزيد على نسبة المتزوجين من الأشخاص العادين المقاربين لهم في العمر حيث تم تقسيم ذلك الفارق بما للحياة الزوجية من آثار مضادة للإجرام ، ولكن لاينبغي أن نأخذ من ذلك قاعدة عامة متمثلة في أن للزواج أثر في صرف الشخص عن الإجرام ، وعدم الزواج يزيد من فرص انحراف الشخص وانزلاقه إلى الإجرام وذلك لأن وجود منزل الزوجية لايكفي وحده لمنع الشخص من الإجرام ، فيجب أن تكون الحياة الزوجية هادئة ومتوازنة حتى تحدث أثرها الطيب في منع إجرام كلا من الزوجين ، حيث أن اضطراب منزل الزوجية يعد من العوامل الدافعة للإجرام بالنسبة للزوجين . وقد يكون هذا الإجرام مباشرا حيث يتم تبادل اللكمات والضربات بين الزوجين ، وفي بعض الأحيان يصل الأمر إلى القتل(2) . وقد ينتج عن اضطراب الحياة الزوجية إجرام غير مباشر يرجع إلى الاضطرابات النفسية التي تنتج عن المنازعات الزوجية حيث أن هذه الاضطرابات تكون سببا غير مباشر لصور مختلفة من الإجرام مثل السرقة وجرائم الاعتداء على العرض وجرائم الإجهاض وقتل الأطفال حديثي الولادة .
وفي النهاية نستطيع أن نقول أن دلالة الزواج في مجال الإجرام هي دلالة إيجابية وسلبية في الوقت ذاته . ويتوقف الدور الإيجابي للزواج كعامل مضاد للإجرام على مدى التوفيق الذي يصادفه الزوجان في حياتهما الزوجية .
ـــــــــــ
(1) انظر د/فتوح عبدالله الشاذلي ، المرجع سالف الإشارة إليه ص298 ومابعدها .
(2) مثل قتل الزوج لزوجته وتقطيعه جسدها وسلق لحمها . جريدة النبأ بعددها الصادر 19/2/2006 .
المطلب الخامس
أثر وسائل الإعلام في تكوين السلوك الإجرامي
المقصود بوسائل الإعلام مجموع الوسائل الفنية التي تسمح بالانتشار السريع للأخبار والآراء والأفكار وتشمل هذه الوسائل الصحافة والمسرح والسينما والاذاعة المسموعة والمرئية . وعن أثر وسائل الإعلام في تكوين السلوك الإجرامي كان هناك خلاف كبير بين الباحثين فهناك من يدعي أن وسائل الإعلام هي وسائل مشبوهة تؤدي إلى زيادة الإجرام لاسيما في السنوات الأخيرة في حين ذهب آخرون إلى القول بأن هذه الوسائل ليست سوى انعكاس للحالة التي عليها المجتمع ، ومن ثم لايمكن أن يكون لها تأثير باعتبارها من عوامل الإجرام ، وهذا الخلاف لازال قائما بل زادت حدته لاسيما مع التطور الحديث لوسائل الإعلام وظهور الدش والكمبيوتر .
ونحن نرى أن لوسائل الإعلام دورهام وحيوي من شأنه أن يكون عاملا من العوامل المؤدية إلى ارتفاع معدلات الجريمة ونخص بالذكر التلفزيون والكمبيوتر اللذان أصبحا على رأس قائمة الأسباب التي تؤدي إلى الانحلال الخلقي ، وذلك للأسباب التي سوف يتم ذكرها تفصيلا عندالتعرض لكل منهم .
الفرع الأول : أثر الصحافة على تكوين السلوك الإجرامي :
يسود اعتقاد عام لدى الأفراد بأن الصحافة تعد أحد العوامل المؤدية إلى ازدياد معدل الجريمة في المجتمعات المعاصرة(1) .
ويرى البعض ونحن معهم أن هناك العديد من المزايا والفوائد الناتجة عن نشر أخبار الجرائم في الصحف ، فمن ناحية يكون مجرد نشر الحادثة وكيفية توصل رجال الشرطة إلى الجناه بمثابة جرس إنذار لأي جاني محتمل يفكر في ارتكاب أي جريمة من أي
ـــــــــــ
(1) انظر د/فاطمة القليني ، ملامح الظاهرة الإجرامية كما تعكسها الصحافة المصرية ، رسالة كلية الآداب ، جامعة عين شمس ، 1984 ، د/محمد أبو العلا ، عقيدة ، المرجع سالف الإشارة إليه ، ص232 .
نوع فيتأكد حينئذ من أن أي جريمة لابد أن ينكشف سترها ويلقى مرتكبها العقاب المناسب مهما بلغت دقة ارتكاب الجريمة ، ومهما تصور الجاني أنه أفلت من العقاب لما في ذلك من أثر رادع لدى كل من تسول له نفسه ارتكاب أي جريمة ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن نشر أساليب وطرق الجناة في ارتكاب الجرائم يجعل القارئ أكثر تبصرا وأقل وقوعا في شباك هؤلاء الجناه مما يقل معه عدد المجني عليهم المحتملين .
أما أغلبية الآراء ترى أن نشر أخبار الجرائم في الصحف يعد من العوامل المؤدية إلىزيادة معدلات الجريمة حيث أن نشر وسائل ارتكاب الجرائم يكون من شأنه خلق الفكرة الإجرامية لدى القارئ مما يشجعه على الإقدام على ارتكاب الجريمة مستخدما تلك الوسائل فضلا عن انتشار عدوى الجريمة إلى الكثير من الأفراد خاصة الأفراد المائلون بطبعهم إلى التقليد والانحراف .
الفرع الثاني : أثر السينما والفيديو على الجريمة :
أولا : أثر السينما :
في الماضي كانت السينما وسيلة إعلامية راقية تعالج مشاكل المجتمع وتقدم حلولا منطقية ودروسا مستفادة ، لاتستخف بعقل المشاهد وتحترم القيم والمبادئ السائدة في المجتمع ، أما الآن أصبحت السينما وسيلة فساد وتحريض على الفسق لاتخلو أفلامها من المشاهد الجنسية الفجة ، فارغة المضمون ، تستخف بعقل المشاهد ، تسخر من القيم والمبادئ . فضلا عن أفلام العنف التي اجتاحت السينما في الآونة الأخيرة ومالها من أضرار نفسية على عقلية المشاهد من شأنها التأثير على سلوكه الإجرامي خاصة إذا كان المشاهد من الأحداث فتخلق حينئذ حالة من التوتر لديه وتزيد من شعوره الداخلي بالعنف فيندفع إلى تقليد ماشاهده في الفيلم ، هذا بجانب الإرهاق البدني والجسماني الذي يتعرض له من يشاهد السينما بصورة مستمرة . فالاعتياد على مشاهدة أفلام العنف يخلق اعتيادا على الإجرام فيضعف من عوامل المقاومة لها ويزيد من دوافع الإقدام عليها ، وقد أثبتت بعض الدراسات الأمريكية التي أجريت على نزلاء المؤسسات العقابية أن السينما كانت سببا في دفع بعض المحكوم عليهم إلى طريق الإجرام حيث تبين أنها دفعت 10% من
الذكور و25% من الإناث إلى طريق الجريمة(1) .
أيضا قام نيوماير بدراسة حالة 252 فتاة فتبين له أن 25% منهن أقمن علاقات جنسية نتيجة لتأثرهن بقصص الحب العنيفة على الشاشة ، كما أن 38% اعترفن بتأثير السينما على سلوكهن المتصف باللامبالاة(2) .
ثانيا : أثر الفيديو على الجريمة :
قدم لنا التطور التكنولوجي جهاز "الفيديو" الذي يلعب نفس الدور الذي تقوم به السينما والتلفزيون كعامل يفضي إلى الجريمة . وفي رأينا أن جهاز الفيديو أخطر بكثير من السينما والتلفزيون حيث أنه يمكن الفرد من مشاهدة أي نوعية من الأفلام الممنوعة في أي وقت دون رقيب أو محاسب .
الفرع الثالث : التلفزيون ، الدش ، الكمبيوتر وأثرهم على الجريمة :
أولا : أثر التلفزيون :
التلفزيون جهاز خطير يوجد في كل بيت له من العيوب مايفوق المميزات ، فقد أثبتت الدراسات العلمية أن الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون يوميا لعدة ساعات يصابون بالعصبية ويفقدوا القدرة على التركيز فضلا عن العادات السيئة التي يتكسبونها أثناء مشاهداتهم التلفزيون كالسمنة والاضطرابات الهضمية الناتجة عن كثرة تناول الطعام أثناء مشاهدة التلفزيون والاعتياد على عدم الحركة .
وقد أثبتت الأبحاث العلمية أن الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون لمدة 50 دقيقة لاتتعدى عصبيتهم درجة [الصفر] ، ومن تزيد فترة مشاهدتهم على 60 دقيقة تصل درجة عصبيتهم إلى [واحد] في حين ترتفع هذه الدرجة إلى [اثنين] بعد التسعين دقيقة ، وإلى ثلاثة بعد 120 دقيقة .
وقد أثبتت الدراسة أيضا أن الأطفال الذين يجلسون أمام شاشة التلفزيون لفترات طويلة لايتعرفون إلا على خمسة رموز من 20 طبقا للاختبار المعروف باسم اختبار راي ،
ـــــــــــ
(1) انظر د/فتوح عبدالله الشاذلي ، المرجع سالف الإشارة إليه ص315 .
(2) انظر د/مصطفى العوجي ، المرجع سالف الإشارة إليه ، ص595 .
في المقابل يتعرف الأطفال الآخرين على جميع الرموز التي تعرض عليهم(1) . وفي دراسة أخرى حديثة قامت بها الجمعية العالمية لأصدقاء الطفولة(2) سنة 1991 عن مدى تأثير التلفزيون على الأحداث ودفعهم إلى العنف وإلى الجريمة حيث جاءت نتائج الدراسة كالتالي:
(أ) الصغار الذين يشاهدون العنف على الشاشة الصغيرة يتذوقونه ولو بطريق غير شعوري ، وحينما يصلون إلى سن المراهقة لايرهبهم العنف مما يترتب عليه نوع خطير من التعود عليه حيث يصبح العنف بالنسبة لهم أمر طبيعي ووسيلة عادية لحل المشاكل التي يواجهونها فيصبح العنف بالنسبة لهم رد فعل عادي وضروري .
(ب) مشاهد العنف تتسلل إلى اللاشعور لدى الصغار بصورة تدريجية فيصبحون مؤهلين مبكرا للأفعال الإجرامية .
(ج) أن التأثير العميق لمشاهد العنف لن يفلت منه حتى الشخص المتوازن وذلك بسبب مدى التأثير الشديد للصورة التي تقدمها الشاشة ، وتكرار مشاهد العنف أمامه يجعل المشاهد العادي في أي لحظة من لحظات الاندفاع يستحضر أمامه مشاهد العنف التي تعود على رؤيتها فينزلق إلى عالم الإجرام دون أن يدري .
ولايفوتنا التعرض للتلفيزيون المصري وماأصبح عليه الآن من فجاجة وفي رأينا أن التلفزيون والدش والكمبيوتر هم مثلث الخطر على أبنائنا وبناتنا ، حيث يصاب أي إنسان مثقف بثورة عارمة حينما يفتح التلفزيون ويشاهد بعض مذيعاتنا يرتدين ملابس خليعة ويجلسن بطريقة مبتذلة ويتناسين أنهن قدوة لكل فتاة مصرية مراهقة تعتقد بحكم سنها وخبرتها المنعدمة أن ارتداء الملابس الخليعة وعدم مراعاة قيمنا الشرعية في الجلوس والتصرفات أصبح موضة شيك قاصرة على الطبقة الراقية في مجتمعنا فقط ومن ثم تحاول تقليد ذلك تقليدا أعمى .
ـــــــــــ
(1) تم نشر نتائج هذا البحث في صحيفة الأهرام في العدد الصادر بتاريخ 27 يناير 1990 بالصفحة الأولى تحت عنوان "مشاهدة الطفل للتلفزيون أكثر من 50 دقيقة تؤثر على قدراته العقلية" .
(2) انظر د/محمد أبو العلا ، عقيدة ، المرجع سالف الإشارة إليه ص243 .
أما عن الأغاني الهابطة والمشاهد الجنسية التي أصبحت تمثل 90% من برامج التلفزيون فهي وبلا شك تخلق لدى الفتاة نوع من التعود علىتلك المشاهد الجنسية الفجة والأغاني الهابطة ورويدا رويدا تتقبلها الفتاة وتعتقد أنها حضارة وتطور ولاتخالف مبادئنا الإسلامية والشرقية بدليل أن التلفزيون يعرضها على مدار الأربعة والعشرين ساعة وتبدأ في التهاون مع جسدها فلابأس إن لمسها أحد ولابأس إن احتضنها أحد ولابأس إن رقصت في محفل ولابأس إن ارتدت ملبس يظهر أكثر مما يخفي ، فهذا تطور وحضارة بدليل أنه يعرض في التلفزيون وغير ذلك يكون تخلف وتعصب وإرهاب . وفي أرينا أن مايعرضه التلفزيون من مشاهاد جنسية ساخنة لهو السبب الرئيسي لازدياد معدل جرائم الاغتصاب ، فالشاب عندما يشاهد مثل تلك المشاهد الساخنة ومع تدهور الحالة الاقتصادية وعدم قدرته على الزواج وتحمل نفقاته لايكون أمامه من سبيل سوى الاغتصاب حتى يستطيع إشباع شهواته وغرائزه التي حركتها برامج التلفزيون والتي لاتكف عن عرضها أربعة وعشرين ساعة في الأربعة وعشرين ساعة .
ثانيا : الدش :
الدش جهاز تكنولوجي يتيح لنا التعرف على ثقافات وفنون الدول الأجنبية والعربية ولكن خطورته لاتقل أهمية عن خطورة التلفزيون نظرا لما يبثه من مشاهد تتنافى مع مبادئنا وقيمنا الإسلامية .
ثالثا : الكمبيوتر :
هو نتاج التقدم والتطور به يصبح العالم وكأنه قرية واحدة فهو سلاح ذو حدين لو صح استخدامه في الأغراض التي صنع من أجلها كان صديقا وفيا لصاحبه ، ولكن إذا استخدم بطريقة خاطئة غير قانونية لأصبح بذلك دافعا لانزلاق صاحبه إلى عالم الإجرام . ولعل أبرز جرائم الكمبيوتر تزوير العملات ، تجارة الرقيق الأبيض .
المطلب السادس
تأثير العوامل الاقتصادية على الإجرام
تمهيد :
اختلفت الآراء وتباينت حول تأثير العوامل الاقتصادية علىازدياد أو انخفاض معدل الجريمة ، فهناك من أكد على الصلة الوثيقة التي تربط بين العوامل الاقتصادية وازدياد أو انخفاض معدل الجريمة في مجتمع ماقبل المذهب الماركسي ، وهناك من رفض هذا الربط مثل المدرسة الوضعية . وهناك من انتقد النظريتين وخرج برأي جديد مضمونه أن الظاهرة الإجرامية لايمكن ردها إلى عامل واحد بل هي نتاج لعدة عوامل ومنها العامل الاقتصادي(1) ، وهو الرأي الذي نؤيده .
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل ارتباك الحالة المادية للفرد لها علاقة بانحراف سلوكه؟
السؤال بصورة أخرى هل توجد علاقة بين الفقر والإجرام؟
الفرع الأول : الفقر والإجرام :
يؤكد عدد من الباحثين على أن الفقر لايعد سببا مباشرا للإجرام وإنمايقتصر دوره على تهيئة المناخ للجريمة فيحدث أثره وذلك من خلال العوامل الاجتماعية والفردية المترتبة عليه ومن ثم فالفقر يعد عاملا غير مباشر للجريمة(2) .
فالفقراء عادة يلازم نشأتهم سوء الرعاية الصحية وسوء التغذية مما يسبب لهم بعض الأمراض خاصة أطفالهم ، والظروف الاجتماعية التي يعيش فيها الفقراء وأطفالهم ليست ملائمة ، فالفقر دائما يولد إحساسا بعدم الأمان والذعر والخوف من المستقبل لدى الأسرة الفقيرة مما يدفعها إلى سلوك طريق الجريمة في محاولة منها لتأمين غدها البائس أضف إلى ذلك إهمال الآباء والأمهات في تربية أبنائهم إما لانشغالهم فيتدبير القوت اليومي الضروري لهم وإما بسبب جهلهم الذي يفقدهم القدرة على التوجيه التربوي السليم ، فضلا
ـــــــــــ
(1) انظر د/محمد أبو العلا ، عقيدة ، المرجع سالف الإشارة إليه ص248 ومابعدها .
(2) انظر د/رؤوف عبيد ، أصول علمي الإجرام والعقاب ، ط5 ، 1985 ، ص175 ومابعدها .
على ذلك فإن الفقر يؤدي إلى السكن في أماكن سيئة يمكن أن تكون بيئة خصبة للإجرام حيث يختلط الأطفال بقرناء السوء الذين يدفعونهم إلى الهاوية . ليس ذلك فقط بل يؤدي أحيانا الفقر إلى عدم استمرار الأطفال في دراستهم فيصبح الشارع مصيرهم حيث التشرد والتسول والإجرام .
وقد ورد في كتاب الآنسة أوديت فيليبون "الشبيبة المنحرفة تتهمكم"(1) السابق الإشارة إليه أن نسبة الفتيات الفقيرات بين الجانحات كالآتي :
كوستاريكا 62.50% فرنسا 23.04%
ايطاليا 61.32% هولندا 21.19%
هنغاريا 47.99% الأرجنتين 20.89%
البرازيل 34% انجلترا 13.96%
الولايات المتحدة 13.32% ألمانيا 6.18%
النمسا 15% بلجيكا 9.69%
حيث يتضح لنا مما سبق أن الفقر هو سبب فعال من الأسباب غير المباشرة للإجرام.
الفرع الثاني : البطالة والجريمة :
البطالة عامل من عوامل السلوك الإجرامي وعن أنواعها فهناك بطالة ناتجة عن عوامل اقتصادية عامة لادخل للفرد فيها ولكنه يتحمل آثارها دون مقدرة على مقاومتها ، وهناك بطالة تكون نتيجة لسلوك الفرد نفسه .
النوع الأول من البطالة يكون نتاج أزمة اقتصادية أو صناعية تتعرض لها البلد فتقضي على فرص العمل وبالتالي يصبح الإنسان عاطلا رغم إرادته لأسباب لادخل له فيها ونعتقد أن البطالة في مصر من هذا النوع .
كيفية معالجة هذا النوع من البطالة؟
في البلدان الراقية يتم دفع تعويضات للأفراد العاطلين حتى لايضطر الفرد إلى الانحراف ، أما في البلدان المتخلفة تكون النتيجة الحتمية هي القذف بالعاطلين إلى الإجرام والانحراف .
ـــــــــــ
(1) نقلا عن د/مصطفى العوجي ، المرجع سالف الإشارة إليه .
وقد أجرى مجلس أوروبا(1) بواسطة لجنة خبراء دراسة في كل من الماينا الفيدرالية وانجلترا وفرنسا عن علاقة الإجرام بالأزمات الاقتصادية فتبين له أن الإجرام غير مرتبط بصورة مباشرة بالبطالة ، بالرغم من ظهور بعض المؤشرات الدالة على أن هناك فئة من المجرمين عاطلة عن العمل .
ونحن نرى أنه ليس في إمكان كل انسان أن يضبط نزعاته وحاجاته الرامية إلى تحقيق الحد الأدنى من العيش خاصة مع شعوره بالحرمان وضيق ذات اليد ومن ثم فعندما تغلق في وجهه أبواب العمل والرزق المشروع ، فإننا لانستطيع كبح جماح رغبته في تحقيق حاجاته التي يسلك عادة لتحقيقها طرف غير مشروعة .
النوع الثاني من البطالة : يكون نتيجة لسلوك الفرد نفسه وقد يتباين هذا السلوك ويختلف من شخص إلى آخر كالشخص غير الجدي في العمل ، أو الشخص سريع التنقل الذي لايستقر في عمل معين ، أو كالشخص الذي يطرد من عمله باستمرار بسبب سوء سلوكه ، فكل مثل هذه الحالات تكون البطالة فيها نتيجة لسوء التصرف أو عدم الجدية مما يعطي مؤشرا ينبئ باحتمال الانحراف السلوكي للفرد إذا تهيأت له الظروف المواتية .
هذا عن علاقة البطالة بالإجرام ، ولكن لايفوتنا أن نذكر أن العمل لايكفي بمفرده للحيلولة دون الإجرام حيث لابد من أن يكون مستوى الأجور مرتفعا أيضا .
مستوى الأجور وعلاقته بالانحراف :
لابد أن يكون الأجر مساوي للجهد الذي يبذله الفرد ، فالفرد في حاجة للشعور بأن جهده يقابله تقدير معنوي ومادي وإلا تولدت في نفسه ثورة تؤدي به في كثير من الأحيان على القيام بأعمال ضد القانون ، مثل الإضراب ، التحريض على التخريب وإثارة الشغب ، الانتقام من رب العمل ، تعاطي أعمال أخرى غير مشروعة لسد حاجته . فلابد أن يساعد الأجر العامل أو الموظف على سد حاجاته بل ويضمن له العيش على نفس المستوى الاقتصادي الخاص بفئته الاجتماعية .
ـــــــــــ
(1) council of Europe. Economic crisis and crime. Strasbourg. 1985
نقلا عن د/مصطفى العوجي ، المرجع سالف الإشارة إليه .
المطلب السابع
الدين وتأثيره على الإجرام
تعددت الدراسات والآراء حول بيان طبيعة العلاقة بين التدين والإجرام ، ولكنها لم تأت بنتائج حاسمة بل كانت نتائجها متباينة في كثير من الأحيان . فهناك من اعتبر أن الابتعاد عن الدين من العوامل التي تساعد على تزايد معدلات الإجرام مثل عالم الاجتماع الفرنسي جبرائيل تارد ، وهناك من رأى أن تقهقر ممارسة الشعائر الدينية من العوامل التي من شأنها أن تساعد على مكافحة الجريمة مثل عالم الاجتماع الايطالي انريكوفري .
ونحن نرى أن الدين من العوامل الرئيسية المانعة من الإجرام إذ أنه في الغالب ينأى بالمتدين عن طريق الجريمة مع ملاحظة أن الدين ليس شعائر وطقوس وصلوات وإنما هو في المقام الأول عقيدة روحية وقيم نبيلة لتستقر في أعمال النفس والوجدان ، بالإضافة إلى كونه منهج حياة يدفع صاحبه إلى السلوك السوي في علاقاته بالآخرين(1) .
ـــــــــــ
(1) انظر د/فتوح عبدالله الشاذلي ، المرجع السابق الاشارة إليه ، ص326 .
المبحث الثاني
العوامل الداخلية المؤثرة في إجرام النساء
تمهيد :
إن السلوك هو نشاط إنساني له أساس بيولوجي وثيق الصلة بالمجموعة العصبية والأجهزة المهيمنة على كيان الإنسان . والعدل يقتضي عند دراسة السلوك الإنساني أن نعود إلى الإنسان نفسه كي نتبين كنه سلوكه ، فالعامل الأساسي في دراسة السلوك المنحرف هو التكوين العضوي للإنسان ومن ثم مقدرته على التكيف الاجتماعي والتوافق مع متطلبات البيئة الاجتماعية التي يعيش ضمنها . هذا مايجعل الباحث في العلم الجنائي يرتد نحو تكوين الإنسان البيولوجي للوقوف علىماهيته وأثره في عملية تكوين السلوك المنحرف(1) ، ومن ثم آثرنا أن نتناول بالدراسة أهم العوامل الداخلية المؤثرة في إجرام النساء .
ـــــــــــ
(1) راجع بهذا الصدد د/زين العابدين سليم ، الغدة النخامية كقائد موجه للشخصية الإنسانية ، المجلة الجنائية القومية الصادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ، القاهرة ، مارس 1967 ص79 ومايليها . أيضا راجع د/مصطفى العوجي ، المرجع سالف الإشارة إليه ص406 .
المطلب الأول
السلوك الإجرامي
اختلفت تفسيرات العلماء حول السلوك الإجرامي فمنهم من قال أن هذا السلوك يعكس خللا في شخصية من يصدر عنه ومن ثم فيجب البحث عن هذا الخلل في تركيبه الجسدي أو العضوي ، بينما رأى البعض الآخر أن هذا السلوك يعكس أزمة نفسية ، بل هو حل لأزمة نفسية يمكن أن تكون آنية أو مزمنة . ويدعي فريق آخر من العلماء أن السلوك الإجرامي هو نتيجة لمؤثرات اجتماعية تفاعلت لدى الإنسان فأدت به إلى الانحراف عن الطريق القويم .
وكان مضمون ماقاله واطسن(1) (1878-1958) وهو من مؤسسي المدرسة السلوكية أن الإنسان يسعى لتحقيق التكيف مع بيئته من خلال الاستعدادات الوراثية والعادات المكتسبة ، حيث أن القدرة الوراثية والعادات التي يتعلمها الفرد تعد بمثابة السلاح الذي يساعد الفرد علىالتكيف مع ظروف البيئة المادية والاجتماعية التي يعيش فيها . ويجب على الفرد أن يتمتع بالمقدرة العضوية حتى يتفاعل مع محيطه ، كما يجب أن تكون لديه المقدرة الذهنية على التعلم والتحليل والاختيار والتقرير . هذه المقدرة تفترض أصلا محلا وراثيا مقوماته التكوين العضوي والجسدي والفيزيولوجي ، هذا الحمل الوراثي لابد للإنسان في تحديد معالمه وماهيته ومقدرته على التفاعل والتعلم . فالإنسان المتأخر عقليا بسبب عاهة موروثة أو لتوقف في نممو خلاياه الدماغية يكون غير قادر على التعلم والتكيف مع بيئته وذلك لأن تكوينه العضوي عاجز عن تلبية متطلبات التكيف والتعلم حيث أن هناك ارتباط وثيق بين مقدرة الإنسان على التعلم والتكيف وبين سلوكه ، فالسلوك دائما يكون عاكسا لمدى قدرة الشخص على الاكتساب ، كما يكون عاكسا للخلل الذي يعترض تلك المقدرة .
ـــــــــــ
(1) د/عبدالرحمن عيسوي ، معالم علم النفس ، دار المطبوعات الجامعية ، الاسكندرية ص72 .
إن السلوك الاجتماعي الذي تفرضه البيئة على الفرد يقوم على مجموعة من المبادئ والقيم الأخلاقية والثقافية والاجتماعية والدينية بمرور الوقت أصبحت أسسا للنظام الاجتماعي مطالب الفرد بالتكيف معها ومراعاتها ، فإذا كان الاستعداد الفردي ملائما لهذا التكيف كان التوافق والسلوك القويم للفرد . أما إذا تخلف الاستعداد الفردي عن التكيف لأسباب عضوية أو نفسية أو بيئية كان التناقض بين سلوك الفرد وسلوك الجماعة فالانحراف ثم الإجرام .
تصورنا للسلوك الإجرامي :
نحن نتفق تماما مع رأي د/مصطفى العوجي(1) القائل بأن الإنسان يقضي حياته في إقامة توازن مستمر بين نزعاته النفسية والبيولوجية من جهة وبين متطلبات الحياة الاجتماعية من جهة ثانية ، هذا التوازن يفرضه الحرص على سلامة النظم الاجتماعية وسلامة ذاتية وكيان ومصلحة الأفراد الذين يقاسمون الإنسان العيش في مجتمعه وكذلك تأمينا لاستمرارية الحياة الاجتماعية . هذا التوازن إن فقد انقلبت حياة البشر إلى نوع من التصادم المستمر الذي يسيطر فيه القوي على الضعيف ، وينعدم معه الشعور بالمسئولية الاجتماعية والأخلاقية وهما صفتا الإنسان الاجتماعي العاقل .
ـــــــــــ
(1) انظر د/مصطفى العوجي ، المرجع سالف الإشارة إليه ، ص412 .
المطلب الثاني
الوراثة
إن الإنسان يولد حاملا صفات لم يكن مخيرا فيها وينمو في أسرة لم يكن مخيرا في انتقائها وبمرور الوقت تصبح له شخصيته المستقلة ولكنه لايستطيع التحرر الكامل من بقايا الوراثة والمحيط اللذين فرضا عليه بحكم النشأة والتربية الأولى .
فالإنسان يأتي إلى الحياة وهو حاملا لصفات وطباع من كان سببا في حياته [الأب والأم] وكثيرا ماتلازمه تلك الصفات والطباع طوال حياته بل وتنتقل منه إلى ذريته ، فالأب الذي يحمل عاهة معينة من شأنها أن تنتقل بالوراثة إلى ابنه أو ابنته ليس ، ذلك فحسب بل إن الابن أو الابنة يورثان من الأب والأم التكوين الجسدي والاستعداد الفيزيولوجي ومافيهما من ضعف أو قوة . ولاشك أن المحامي الروماني ستانسيو(1) كان على حق عندما استهل مرافعته عن متهم بجناية حيث قال للمحكمة : "أيها السادة إن هذاالمتهم هو وليد ماصنعه والداه" ، وأخذ يسرد سيرة والده المدمن على السكر والعربدة وسيرة والدته الحسنة نوعا ما ولكن دون تأثير فعال على تربية أولادها ، وكيف أن المتهم يحمل في تكوينه الجسماني والنفساني ماأورثه إياه والداه من طباع واستعداد شخصي نحو الإجرام .
لذلك ونظرا للأهمية البالغة للوراثة فقد احتل علم الوراثة المركز الأول في درراسة العوامل الشخصية التي تؤثر في تكوين الشخص ، ومدى أثر الوراثة على الاستعداد الإجرامي للشخص ، حيث أنه مهما تطور الإنسان ومهما ابتعد عن والديه واختلف عن نهجهما فإنه يحمل دائما الطابع الذي منحه إياه الوالدان ويشمل هذا الطابع الناحية الطبيعية والفيزيولوجية وأحيانا النفسية . ومهما حاول الإنسان ونجح في تطوير وتعديل نواحي كثيرة من شخصيته فإن هذا التعديل لايمثل سوى تحسين مقصود لحالة وجد فيها نتيجة لما ورثه عن والديه .
ـــــــــــ
(1) هذا المحامي الروماني قد ألف كتابا في العلم الجنائي باللغة الفرنسية .
أيضا انظر د/مصطفى العوجي ،المرجع السالف الإشارة إليه ، ص446 ومابعدها .
وتنقسم الوراثة إلى نوعين : وراثة حقيقية ووراثة غير حقيقية .
الوراثة الحقيقية : هي التي تنتج من التقاء الخلايا الحياتية الصادرة عن الرجل والمرأة والتي تحمل في طياتها ميزات الكائنين اللذين صدراها ، هذه الميزات أيضا هي حصيلة مايحمله كل منهما عن أصوله والتي تنتقل من آبائه وأجداده وتسدل عليه طابعه الخاص .
الوراثة غير الحقيقية : هي التي تنتج عن عوامل طارئة على الجنين وتدمغه بطابع خاص أو عرض معين ، ويكون مصدر تلك العوامل الطارئة الوالدان ، حيث يكون أحدهما قد تعرض لمرض طارئ أو لحالة خاصة مثل تعاطي أحد الوالدين الكحول بإسراف مما يؤثر في تكوين الخلايا الحياتية ويسبب فيها بعض الانحلال أوالشتقق .
فالوراثة غير الحقيقية إذا لاتحمل صفات الوالدين الرئيسية بل هي عبارة عن نتيجة للأحداث الطارئة التي رافقت تكوين الجنين ونموه أثناء الحمل .
الوراثة والإنسان معتاد الإجرام :
تلعب الوراثة والانحلالات المكتسبة دورا رئيسيا في تحول الإنسان إلى مجرم بل وإلى مجرم معتاد ، حيث أثبتت الدراسات البيولوجية انتقال بعض السمات الخطرة ، في داخل تكوين الإنسان من أصوله ، ولكن ليس معنى ذلك أن نكتفي ببحث أثر عامل الوراثة بين الأصول والفروع فقط وإنما يجب أن يتسع نطاق الدراسة ليشمل الآباء والأجداد والأجناس ، بل "والحواش"(1) .
وعناصر الوراثة هي :
(أ) وراثة عميقة الجذور :
والمقود بها أن يكون آباء معتادي الإجرام وأجدادهم قد أدينوا بأحكام عقابية نفذت عليهم ، والتاريخ زاخر بقصص أسر المجرمين الخطيرين في الكثير من بلدان العالم . ولصدى تاريخ الأسرة الإجرامي أثره في انحراف الأولاد وفي اعتيادهم على الإجرام(2) .
ـــــــــــ
(1) انظر د/عبدالرحيم صدقي ، مبادئ علم الكريمونولوجي ، علم الإجرام في الفكر الحديث ، الطبعة الأولى ، عام 1985 ، كلية الحقوق جامعة القاهرة ، ص138 ومابعدها .
(2) انظر جيزير Geisert le criminal d'habitude : etude anthmoplogique,
Conseque nces penales et socials, these. Faculte de medicine et de pgarmacie, Lyon, 1932
(ب) وإما وراثة باثولوجية :
حيث أثبتت الدراسات الباثولوجية أن 60% على الأقل من المجرمين المعتادين يكونون في حالات خطرة مؤذية منذ لحظة ميلادهم . أي أن المجرم المعتاد في أغلب الأحوال يكون مريضا بمرض عصبي وراثي مثل (النرفزة العصبية ، حالة النورستانيا وهي الوهن أو الضعف العصبي ، الصرع) حيث يكون إجرامه ماهو إلا تنفيس أو رد فعل عكسي لحالات مرضية تستوجب العلاج الطبي لا العقاب أو الإيلام .
والجدير بالذكر أن من بين معتادي الإجرام يوجد نسبة كبيرة وإن كانت أقل من نسبة 60% لأفراد مصابين بالزهري [مرض جنسي خطير] أو الدرن [السل] .
ولايفوتنا في هذا المقام الإشارة إلى تأثير الإدمان [خمور ، مخدرات] وراثيا على الإنسان المعتاد الإجرام .
(ج) وإما وراثة فردية أو ذاتية :
حيث اتضح عند دراسة بعض حالات معتادي الإجرام عدم وجود العنصرين السابقين حيث تكون أسرة معتاد الجريمة في بعض الحالات شريفة حسنة السمعة لم يتعرض الوالدين لأي عقوبة جنائية . ومن ناحية أخرى تكون الحالة الصحية العامة جيدة داخل الأسرة . وقد تلاحظ بعد سؤال الأهل في حالات الأطفال الشواذ بالذات إن كان هناك تسمم في البويضة لدى الأم ، أو أن في مراحل الحمل كانت الأم مرهقة نتيجة للعمل الزائد أو لإدمان الخمور .
الانحلالات المكتسبة :
قد تلاحظ عند بعض معتادي الإجرام أنه لايوجد أي خلل باثولوجي وراثي أو ذاتي خلف انحرافهم ، حيث أشارت بعض الدراسات العلمية أنه قد تحدث اضطرابات في "الأجنة" بسبب إصابة في الرحم ناجمة من عدوى أو نتيجة تأثير إشعاعات معينة كأشعة اكس . مع ملاحظة أن هذه الانحلالات المكتسبة قد تظهر في مرحلة لاحقة على الإنجاب أي في مرحلة "الطفولة" وهنا يحدث الانحلال المكتسب ، وبالتالي الانحراف بفعل إصابة في الجمجمة ، أو التهاب سحائي معدي ، أو إصابات أخرى من هذا القبيل .
المطلب الثالث
نظرية بينتان(1) والشخصية الإجرامية
استخلص بينتال عناصر نظريته [نظرية بينتال في نواة الشخصية الإجرامية] من المحاولات العلمية المختلفة التي ألقت الضوء على شخصية المجرم ، حيث تبين أن هناك أربعة أوصاف تميز الشخصية الإجرامية .
الجمود العاطفي ، الأنانية ، عدم الاستقرار ، الهجومية .
أولا : الجمود العاطفي :
ينمو الجمود العاطفي مع الإنسان نتيجة لاختبارات سلبية تؤدي به إلى جفاف العاطفة لديه . والجمود العاطفي يجعل الإنسان لايشعر بما يصيب أقرانه والمحيطين به من ظروف قاسية ومؤلمة ، بل إنه ينظر لمن حوله وكأن لاوجود لهم ولاإحساس لديهم وكأنهم جماد .
ثانيا : الأنانية :
تتميز الشخصية الإجرامية بالأنانية حيث يتحول اهتمام الإنسان كله نحو نفسه ونحو إشباع شهواته ، حتى أنه ينظر إلى جميع الأشياء الخارجية من خلال إرضاء مصلحته منها . فالإنسان الأناني لايأخذ في الاعتبار مصالح الآخرين ، والأنانية كثيرا ماتدفع الإنسان إلى ارتكاب أي عمل من شأنه تحقيق مصلحته الشخصية دون النظر لشرعية هذا العمل أو قانونيته أو مخالفته للناحية الأخلاقية والاجتماعية من عدمه .
ثالثا : عدم الاستقرار :
تتميز الشخصية الإجرامية بعدم الاستقرار وسهولة انقياد الشخص وتنقله من فكرة إلى أخرى دون التركيز على هدف معين ، ودون اتباع منهج معين في الحياة يؤدي به إلى مثل عليا يسعى للوصول إليها ، حيث يكون كل همه إرضاء حاجة آنية دون النظر إلى المستقبل .
ـــــــــــ
(1) Noyau central de la persomslite criminelle. J.Penatel, criminology dolioz 1963 pages 473 et suinantes.
رابعا : الهجومية :
يتميز الفرد ذو الشخصية الإجرامية بالتعدي على الآخرين وتلك هي أهم ميزة تتميز بها الأعمال الإجرامية .
بعد أن وصف بينتال نواة شخصية المجرم أشار بضرورة وضع نظريته تحت الاختبار حتى يتبين للباحث صوابها .
المطلب الرابع
دور الغدد الصماء والهرمونات
الغدد الصماء هي مايسترو الجسم البشري فهي المدير والمنظم والموجه لأجهزة الإنسان العضوية .
التقدم العلمي بكل ماوصل إليه لازال حائرا ومندهشا أمام هذه الكائنات الحية في جسم الإنسان وماتقوم به من عمل فائق الدقة حيث أن جميع التفاعلات الوظيفية تتم بواسطتها سواء بصورة مباشرة أو نتيجة لتأثيرها على باقي الأعضاء .
ولعل أكثر غدد الإنسان أهمية هما الغدة النخامية والغدة الدرقية ، نظرا لما تقوما به من دور رئيسي في تنظيم فيزيولوجيا الإنسان ، ولذلك آثرنا أن نتناول كل منهما بالتفصيل .
أولا : الغدة النخامية(1) :
الغدة النخامية عبارة عن غدة بشكل البصلة تتدلى من السطح الأسفل الخلفي للدماغ وتستقر في فراغ عظمي في قاع الجمجمة وهي أقرب لسقف الحلق . وتتكون الغدة النخامية من قسمين أمامي وخلفي وكل قسم يختص بإفراز هرمونات معينة ، وتقوم الغدة النخامية بدور حيوي وهام جدا في جسم الإنسان ، مما حدا بالعلماء بأن يطلقوا عليها "الغدة الموجهة أو الغدة السيدة" وذلك لأن سائر الغدد تخضع لمؤثراتها .
وقد أوضح العلماء(2) أن أي زيادة في إفراز الغدة النخامية أو سائر الغدد يكون من شأنه زيادة غير طبيعية في نشاط الفرد ونموه حيث يزداد حجم الوجه واليدين والرجلين وتزداد قوة العضلات ، ومن ثم يتسم طابع مثل هذا الشخص بكثرة الحركة والحماس وشدة الانفعال ، والأنانية في التفكير والتصرفات ، مستعدا دوما للمشاجرة والتعدي .
وإذا نقص الإفراز حصل كسل في عمل سائر الأعضاء وأصبح الإنسان يشكو الكسل والبطء في الحركة والتفكير وتسيطر عليه حالة من الخمول المرضي .
ـــــــــــ
(1)،(2) انظر د/زين العابدين سليم ، المقال سالف الإشارة إليه .
وقد قام بعض الأطباء باستئصال الغدة النخامية من كلاب معروفة بشراستها فتبين لهم أنها أصبحت وديعة بعد عملية الاستئصال ، ثم عادت إلى شراستها بعد حقنها بهرمونات النخامية مرة ثانية .
وقد ظهر من دراسة إحصائية أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر عام 1959(1) على فئة من النسوة اللواتي يمارسن البغاء كمهنة لهن حيث ظهر من هذه الدراسة أن 85% منهن كن مصابات باضطرابات في افرازاتهن الهرمونية .
وقد تأكدت تلك النتيجة بما توصل إليه الطبيب الانجليزي د/غيبنيز(2) في دراساته للنساء السارقات من المحلات الكبرى حيث ذكر في تقريره عنهن المقدم للمؤتمر الجنائي الرابع الذي عقد في لاهاي سنة 1960 أن أغلب السارقات كن يشكين أثناء ارتكابهن الجرم أو قبله بفترة قصيرة اضطرابات هرمونية ناتجة عن وجودهن في فترة الحيض أو دخولهن سن اليأس أو أثناء الحمل .
ثانيا : الغدة الدرقية :
نفس ماقيل عن الغدة النخامية يطبق على الغدة الدرقية . إذ أن كثرة إفرازاتها تجعل الإنسان سريع الانفعال ، عصبي المزاج ، أما إذا قل إفراز تلك الغدد أقل مما يجب أصبح الإنسان خاملا وفاقدا للنشاط العقلي .
الخلاصة :
إن سلوك الإنسان الاجتماعي ومدى قدرته على التكيف مع محيطه الاجتماعي من عدمه مرتبط ارتباطا وثيقا باستعداده البيولوجي . وبما أن الغدد الصماء هي التي تتحكم بهذا الاستعداد فمن الممكن الربط بين وظائفها وسلوك الإنسان .
وبناء على ذلك فقد قال بعض العلماء الجنائيين أن هناك ارتباط وثيق بين شخصية المجرم واستعداده الإجرامي من جهة وبين عمل غدده الصماء من جهة أخرى .
ـــــــــــ
(1) المجلة الجنائية القومية ، القاهرة ، مارس ، عام 1960.
(2) د/مصطفى العوجي ، المرجع سالف الإشارة إليه ص343 .
وانظر أيضا : Dr. Gebbens, thefts from department stores, IV intermational
Congress on criminlology. The hague 1950 .
هذا مادفع الدكتور ابراهيم فهيم(1) أستاذ الهرمونات بكلية طب القصر العيني للقول "أنه من غير المستبعد أن يرى المشرع في المستقبل الحكم على الأشخاص الجانحين ذوي القلوب المتحجرة المليئة بالظلم والشر بالحقن بهرمونات ليحسنوا القيام بواجبهم نحو المجتمع" .
ـــــــــــ
(1) انظر مقال د/زين العابدين سليم ، السالف الإشارة إليه .
المطلب الخامس
السن
يقسم الباحثون مراحل العمر إلى أربعة [الطفولة ، المراهقة ، النضج ، الشيخوخة] والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل يوجد سن معين يتعرض فيه الإنسان ذكرا كان أو أنثى للإجرام؟ السؤال بصورة أخرى هل للسن تأثير على السلوك الإجرامي؟
مما لاشك فيه أن السن يعد مؤشرا لنمو الإنسان ونضوجه الجسدي والعقلي حيث أنه كلما تقدم في السن كلما اكتسب خبرة وأصبح أكثر سيطرة على ردود أفعاله الفطرية وأكثر تحكما في تصرفاته . ولكن تجدر الإشارة إلى أن النمو السني لايعد قرينة على النمو العقلي ، فقد يتعرض الإنسان لكبوات صحية أو عقلية من شأنها التأثير على نموه العقلي مما يؤثر في إرادته وقوة تحكمه في نزعاته فينعكس بالتالي بالسلب على سلوكه الاجتماعي .
ونحن نؤيد الرأي القائل بأن الإنسان معرض في كل مرحلة من مراحل حياته لخطر انحراف معين(1) . وطبقا لما توصلت إليه الإحصاءات في بعض البلدان أن الإنسان يكون أكثر تعرضا لخطر الانحراف بين سن الحادية والعشرين والخامسة والعشرين من عمره [21-25] ، بينما تفيد بعض الإحصاءات الأخرى أن الإنسان يكون أكثر تعرضا لخطر الانحراف بين سن الرابعة عشرة والسابعة عشرة من عمره [14-17] ، كما كان الحال في انجلترا بين عام 1959 وعام 1967 وفقا للإحصاء التالي :
من مائة ألف نسمة
ذكور
إناث
دون 14 سنة : 1402
دون 14 سنة : 47
14-17 سنة : 2780
14-17 سنة : 378
17-21 سنة : 2518
17-21 سنة : 270
21-30 سنة : 1514
21-30 سنة : 170
أكثر من 30 سنة : 339
أكثر من 30 سنة : 23
ـــــــــــ
(1) انظر د/مصطفى العوجي ، المرجع سالف الإشارة إليه ص481 ، 482 .
ومن مطالعة العديد من الإحصاءات(1) تبين لنا الآتي :
أن ذروة الإجرام تكون عند المرأة بين الخامسة والعشرين والثلاثين من عمرها ، بينما الإحصاءات الألمانية تقول أن ذروة الإجرام عند النساء والرجال بين 20-25 سنة .
وأن المرأة بعد أن تصل إلى قمة إجرامها في الثلاثين تعود إلى المستوى الطبيعي ثم تقفز أحيانا وفجأة في سن الأربعين أو الخامسة والأربعين وذلك بتأثير فيزيولوجي عائد إلى تكوينها الجسماني ودخولها سن اليأس .
ـــــــــــ
(1) Emest seelig. Traite de criminology, puf 19565, p.225 .
Jean pinatel, criminology, Dalloz, 1963. p.128
المطلب السادس
الصدمات النفسية
الأمراض النفسية وتأثيرهما على السلوك
أولا : الصدمات النفسية :
الصدمة النفسية هي : اصطدام آمال الشخص وأمنياته التي يسعى إلى تحقيقها بالواقع الفعلي المعاكس لتلك الآمال والأمنيات بصورة يصعب ويستحيل معها تحقيق تلك الآمال . ومن طبيعة هذا الاصطدام التأثير على شخصية الإنسان وثقته بنفسه إلى درجة التدهور وضياع السيطرة على النفس .
أنواع الصدمات متباينة على حسب الشخص والظروف المحيطة به والتي يتعرض لها(1) .
وتجدر الإشارة إلى أن ليس كل اصطدام أمل معين مع الواقع الفعلي مما ينتج معه استحالة تحقيقه من شأنه أن يولد مركب نقص ، حيث أن الصدمة النفسية التي تولد مركب النقص يجب أن تكون ذات تأثير على شخصية الإنسان ونفسيته وأن تنحدر به إلى مستوى دون المستوى الطبيعي من الثقة بالنفس ومواجهة الصعاب .
فالسقوط في الامتحان مثلا ليس من شأنه أن يولد مركب نقص لدى الطالب ، ولكن إذا اعتقد الطالب أنه قام بكل مايمكنه القيام به من مجهود دراسي وحاول مرات عديدة التقدم للامتحان وكانت النتيجة في كل مرة الرسوب دوما ، حيث يترتب على ذلك أن يتولد لدى الطالب شعور بأنه دون الآخرين كفاءة وذكاء وفهما وأنه من المستحيل عليه تجاوز هذا الحد من المعلومات . عندها يتولد مركب النقص الذي يؤدي إلى انحراف في السلوك ولكن دون أن يكون هذا السلوك إجراميا بصورة مستمرة .
ـــــــــــ
(1) انظر د/مصطفى العوجي ، المرجع سالف الإشارة إليه ص 482 .
الخلاصة :
العوامل النفسية لها تأثير فعال على السلوك الإنساني لايمكن تهميشه أو تجاهله . فالسلوك دائما ماهو إلا تعبير يختلج في نفس الإنسان من شعور وتفكير .
ثانيا : الأمراض النفسية :
يصاب الفرد أحيانا ببعض الأمراض النفسية التي من شأنها أن تحدث خللا في ذكائه أو إرادته أو تفكيره حيث يسيطر المرض على شخصيته وسلوكه بصورة قد تؤدي به أحيانا إلى الإجرام .
وتجدر الإشارة إلى أن هناك اختلاف بين الأمراض النفسية والأمراض العقلية .
الأمراض النفسية تنتج عن خلل عضوي أو نفسي ، أما الأمراض العقلية فتنتج غالبا عن إصابة الدماغ بعوارض عضوية ناجمة عن خلل أو مرض يعتري الخلايا الدماغية فيشل حركتها وفعاليتها بصورة جزئية أو كاملة مما يؤدي إلى توقف المواهب الإنسانية وانحلال الشخصية وفقدان السيطرة على النزعات العضوية والغريزية ، فتنطلق دون وازع أو رقيب تحقق غاياتها بصورة حيوانية . حيث يصبح رد الفعل نتيجة لمعادلة ميكانيكية قوامها : مثير واستجابة لهذا المثير دون المرور بالمحول الذهني الذي يتحكم بالاستجابة المذكورة .
ومن الأمثلة على العوارض المرضية مرض الصرع ومرض انفصام الشخصية(1) .
الخلاصة :
الأمراض النفسية والعقلية لها تأثير هام على السلوك الإجرامي ، وتندرج تلك الأمراض تحت علم النفس الجنائي الذي بدراسته نستطيع أن نفهم شخصية المجرم وتحليلها التحليل العلمي الدقيق للوقوف على ماتسببه الأمراض النفسية والعقلية من اضطرابات ونتائج .
ـــــــــــ
(1) انظر د/عدنان الدوري ، أسباب الجريمة وطبيعة السلوك الإجرامي ، جامعة الكويت سنة1973 ص184 ومايليها ، د.مصطفى العوجي ، المرجع سالف الإشارة إليه ص528 .